من مواقف زيارة الأربعين (٢)/ من خواطر المشي

أحمد علي الحلي

٢٥ صفر ١٤٤٤هـ الموافق ٢٢ أيلول ٢٠٢٢ م

١٩٩١– ١٩٩٨م ، أيّام الحصار في هذه السنين  كانت بحقّ شديدة وعجاف، وغالبية الناس تركوا أكل اللحم والدجاج والفواكه لفقرهم، ولكن الأمر مع زائر الإمام الحسين (ع) يختلف، فهو الآمر الناهي من جوانب عدّة.

وفي طريق الإمام الحسين (ع) الرجال والشباب من أهل المضايف لا يقفو على الشارع لجلب الزوّار لبيوتهم؛ لئلا يؤخذوا من قبل الجلاوزة،  فيُقدّمون لذلك أطفالهم على قارعة الطريق، وللأطفال تأثير في الزائر أيّما تأثير، خصوصاً لو قبّل الطفل يد الزائر أو قدمه، وإلحاح وتوسل الأطفال الشديد لا محيص عنه ولا مهرب منه، بل لسان الحال يقول لهم: (إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين).

وأوّل ما تدخل إلى بيوتهم ترى كبيرهم يخفي نعل الزوّار عن الباب، خوفاً من دوريّة الجلاوزة، وربما جلسنا في غرف عوائلهم خفية من الظلمة الأوغاد.

وبعد الاستراحة يأتون بالغداء، وحين الغداء نشاهد موقفاً بطولياً، وهو أنّ صينيّة خاصّة فيها اللحم والدجاج وما لذ وطاب توضع أمام الطفل الذي جاء بالزوّار إلى البيت، بينما بقية أخوته الكبار والصغار ينظرون إليه، فهو يأكل لوحده إلى أن يشبع ولا يترك لهم شيئاً، وهم ينتظرون فراغنا من السفرة؛  ليهجموا على ما تبقى من الطعام حين غسل أيدينا خارج الغرفة، فالحصار قاتل والجوع أشد، فهم لا يأكلون اللحم والدجاج إلّا حين يزور الزائر بيوتهم.

هذه تربية خدّام الزوّار لأولادهم، ورحم الله السيد خشان (أبو يعقوب)، فهذا ما يدور في مضيفه الحسيني، الذي كان غرفة صغيرة وأصبح منتجعاً للزوار فيما بعد.

تم إعادة نشر هذا النص من حساب أحمد علي الحلي على الفيسبوك.

اشترك في نشرتنا الإخبارية