٢٧ جمادى الآخرة ١٤٤٧ هـ الموافق ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥ م
الهواء المشبع بالفوسفات في قابس جنوب تونس إلى مياه الشّرب الملوثة بمواد PFAS في مجتمعات داخل أستراليا، تتكشف حقيقة واحدة مشتركة: عندما تُقدِّم السّلطات المصالح الاقتصادية على حياة الإنسان، تدفع البيئة — ومن يعيشون فيها — الثّمن.
في قابس، التي كانت يومًا جنة ساحلية تلتقي فيها الواحات بالبحر المتوسط. على مدى عقود، سمّمت معالجة الفوسفات البحر والهواء معًا. ونشأ الأطفال وهم يتنفسون الغازات السّامة، وتهاوت الثّروة السّمكية، بينما تحوّلت أمراض الجّهاز التّنفسي والسّرطان إلى واقعٍ واسع الانتشار. ولا تزال استجابة الدّولة بطيئة وجزئية وغير كافية رغم سنوات من الاحتجاجات والحراك الشّعبي.
وعلى الجانب الآخر من العالم، يواجه أهالي منطقة بلو ماونتنز في أستراليا نوعًا مختلفًا من التلوث، يعيد إنتاج المشكلة ذاتها. فقد كُشف عن وجود ما يُعرف بـ«المواد الكيميائية الأبدية» (PFAS) في مياه الشّرب المرتبطة بأنشطة صناعية وعسكرية. ومع عجز التّطمينات الرّسمية عن تبديد قلق السكان، فقد برزت مطالب متزايدة بالشّفافية وبإجراء فحوصات مستقلة واتخاذ خطوات قانونية.
تكشف هاتان التّجربتان حقيقة تتجاوز الجغرافيا: فالأزمات البيئية ليست مجرد إخفاقات تقنية أو ثغرات تنظيمية، بل أزمات تمسّ المجتمع والأخلاق معًا. وعندما يُقصى المتضررون عن دوائر القرار فأنّ الثّقة تتآكل ويتعمق الضّرر ويترسخ الظّلم.
من قابس إلى أستراليا فأنّ الرّسالة واضحة ولا لبس فيها: يجب ألا يُكتفى بالحديث إلى الأهالي — بل يجب الإصغاء إليهم. فتجاهلهم لا يهدد الإنسان والبيئة وحدهما، بل يشرعن الظّلم ويحوّله إلى أمرٍ عادي.