كربلاء المقدسة، العراق. الصورة: سامر الحسيني/ شبكة الكفيل العالمية سماحة السيد محمد باقر السيستاني ١٢ شعبان ١٤٤٤هـ الموافق ٥ أذار ٢٠٢٣ م وفي ضوء ما تقدم ومن خلال هذا العرض الإجمالي تتضح عدة أمور .. ١– إن إثبات ولادة الإمام عليه السلام ووجوده ابتنى على أصول راسخة، ومناهج ثابتة، وظواهر واسعة بالأدوات الاجتماعية والتأريخية، كما هو حال ثبوت إمامة الأئمة القادة من آبائه عليهم السلام، وليست مبنية على رواية لهذا الراوي أو ذاك، ولا يؤثر في شأنها صحة إخبار راوٍ أو عدة رواة بخصوصهم، فالأمر أثبت وأوثق وأوسع من أن يكون مرهوناً بإخبار شخص أو أشخاص. ٢– إن ولادة الإمام عليه السلام ووجوده وقيادته أصبح في حينه وفق المؤشرات المتقدمة من الأمور الواضحة في المجتمع الإمامي بطبقاته المتعددة والمختلفة والواسعة، وكانت هذه الأمور مستندة إلى ظواهر تأريخية واجتماعية مشهودة وكبيرة يقف عليها الخاص والعام والمؤالف والمخالف، ولم يعد أمراً يؤثر فيه أو يحتكره شخص أو أشخاص أو يبتني على جلالة هذا العالم والفقيه والمحدث من عدمها، أو يحتاج إلى خبرة وتخصص علمي في الحديث وأحوال الرجال. ٣– إن ثبوت ولادة الإمام عليه السلام لا تؤثر فيه تفاصيل المناهج والآراء المختلفة للمحدثين وعلماء الجرح والتعديل، ولا يبتني على رأيٍ أو منهج خاص أبداً. فلقد كان لعلماء الرجال والحديث مناهج مختلفة في توثيق الرجال، فهناك رواة اتفق علماء الرجال والحديث على الوثوق المطلق بهم، وهناك رواة آخرون اتفقوا على الوثوق بهم ولكن اختلفوا في درجة ذلك، ومدى عرضتهم للاشتباه والخطأ، وثمة قسم ثالث اختلفوا في أصل الوثوق بهم عند استقراء رواياتهم، فبعض يوثقهم، وآخر يتوقف فيهم، وثالث يضعفهم. وتنشأ هذه الاختلافات من مناشئ متعددة .. منها: دقة بعض الرجاليين في النقد واسترسال آخرين. ومنها: سعة استقراء بعضهم لروايات الراوي ومقارنتها مع روايات الآخرين، بينما لا يكون آخرون كذلك. ومنها: تسرّع بعض النقاد إلى النقد أو انطلاقه من أمارات خاطئة. إلا أن جميع العلماء رغم اختلاف انتماءاتهم العلمية والمنهجية والثقافية والمكانية والقومية اتفقوا على وضوح دلائل ولادة الإمام المهدي عليه السلام ووجوده واستتباعها – بعد التحري والمتابعة – للإذعان واليقين. خطأ ظن اعتماد ولادة الإمام على بضعة روايات شخصية غير موثوقة وبذلك يظهر أن من الخطأ الفاحش ظنُّ الباحث أن الاعتقاد بولادة الإمام عليه السلام يبتني على بضعة روايات لم يوثق رجالها من قبل علماء الجرح والتعديل. وهذا الظن ينشأ من عدة أخطاء .. ١– تأمل الموضوع من زاوية المؤشرات الروائية فحسب، والغفلة عن بعض المؤشرات التأريخية والاجتماعية الواسعة ودلالاتها، وخاصة دلالة غياب بعض الأمور، كغياب وجود إرشاد من الإمام العسكري عليه السلام لإمام آخر غير الحجة عليه السلام، فإن غياب المؤشرات في التراث على هذا الأمر له دلالته التي لا تخفى على باحث. ٢– توهين المؤشرات التراكمية التأريخية والروائية على أساس المناقشة في بعض مقوماتها من القرائن أو إخبار بعض الناس بشكل منفرد. ٣– عدم الاطلاع الكافي على المجتمع الإمامي والبيئة السياسية والاجتماعية العامة بما يكفي لرصد الأمور البديهية والواضحة في ذلك الحين، حيث إن تلك الأمور كانت عوامل مساعدة على اكتمال الصورة والمشهد في ذهن الباحث. ٤– عدم الانتباه إلى أهمية المؤشرات غير المباشرة التي سبقت الغيبة أو التي تزامنت معها، في حين أن المحاذير القائمة على الظهور المعلن للإمام عليه السلام من جهة تعقب السلطة وتحرّيها عن وجوده عليه السلام كانت تقتضي بطبيعة الحال الاعتماد على هذا النوع من المؤشرات غير المباشرة. لقد حرص أئمة أهل البيت عليهم السلام على توفر حجة بالغة على ولادة الإمام عليه السلام ووجوده وإمامته وخلافته للأئمة القادة عليه السلام من آبائه بمختلف أنواع القرائن ولكن في حدود ما كانت تسمح به الظروف، وهو ما تحقق فعلاً وأوجب حفظ اعتقاد المجتمع الإمامي بمبدأ الإمامة واليقين بوجود الإمام عليه السلام. وما ذكرناه ليس تحليلاً نظرياً معمقاً، بل هو قراءة داخلية لمجريات الأمور وفق منهج أهل البيت عليهم السلام في توجيه الشيعة إلى ولادة الإمام عليه السلام ووجوده في تلك الظروف العصيبة التي أحاطت به، ومنهج الشيعة في الاقتناع بذلك. تم أخذ هذا النص من كتاب منهج البحث والتحري في شأن الإمام المهدي عجل الله فرجه لسماحة السيد محمد باقر السيستاني “دام عزه” الجزء الأول، الصفحة ١٢٢–١٢٤. اشترك في نشرتنا الإخبارية TweetShare0 Shares 2023-03-05