Image by Gerd Altmann from Pixabay سماحة الشيخ مرتضى علي الحليّ ٢ ذو الحجة ١٤٤٤هـ الموافق ٢١ حزيران ٢٠٢٣ م (لقراءة المقال الأول) إنّما وجبتْ معرفة الله تبارك وتعالى أوّلاً وبالذّات وبالوجوب العقلي لأنَّها الأصل الدِّيني الذي تبتني عليه الطاعات والتكاليف والعبادات والأوامر والنواهي ، وبها تكتملُ منظومة العقيدة والشريعة معاً في حياة الإنسان المؤمن والمُسلِم ، فضلاً عن أهميتها في الإصلاح الانساني ، أفراداً ومُجتمعاً وبناءِ الأخلاق والعملِ الصالح في الحياة الدنيا و بلوغِ الغايات في الآخرة . قال اللهُ تعالى: ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )) (١٩) محمد ، ((إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)))آل عمران. وروي عن أمير المؤمنين ، الإمام علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أنّه قال: (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُه وكَمَالُ مَعْرِفَتِه التَّصْدِيقُ بِه ، وكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِه تَوْحِيدُه ، وكَمَالُ تَوْحِيدِه الإِخْلَاصُ لَه ) ، و قال العلاّمة المقداد السيوري الحلّي : ( إنَّ أوّل الواجبات هو المعرفة بالله تعالى ، وما عداها هو مقدّمة لها ) ,. وتتجلّى معرفة اللهِ تعالى بدواً بضرورة اعتقاد الإنسان بأنَّ له وللعَالَمِ خالقاً وربّاً ، وأن يُصدِّقَ بوجوده إذعاناً وإيماناً وتوحيداً ، وأن يَخلِصَ له نيّةً وسُلُوكا ، وهذه المعرفة الواجبة والأولى هي موجودة في فطرة الإنسان ، وفي نفسه وعقله ، وما عليه إلاَّ إثارتها وإحيائها ، ليتمكّن معها من تلقي التكاليف الإلهيّة وامتثالها ، وتزكية النفس من خلال العبادات الإلهيّة التي يُخاطَبُ بها شرعاً . وقد قدّمَ العلاّمةُ الحلّي مقدّماتٍ في وجوب النظر العقلي في معرفة الله تعالى الواجبة ، نذكرُ منها اثنين ، حيث قال: ( المقدّمة الأولى : أن معرفة الله تعالى واجبة مطلقا ، واستدلوا على ذلك بوجهين : الوجه الأول : أنَّ معرفة الله تعالى دافعةٌ للخوف الحاصل من الاختلاف وغيره ، ودفع الخوف واجب عقلا. الوجه الثاني : أنَّ شكر الله تعالى واجبٌ ، لأنَّ نِعَمَه على العبد كثيرة ، والمقدمتان ضروريتان ، والشكر لا يتم إلاَّ بالمعرفة ضرورة . المقدّمة الثانية : أنَّ معرفة الله تعالى لا تتم إلاَّ بالنظر – الاستدلال – فهي كسبيَّة ، ولا كاسب سوى النظر ، إذ التقليد يستند إليه ، وتصفيةُ الخاطرِ إنْ انفلتَ عن ترتيب المقدّمات لم يحصل منها عِلمٌ بالضرورة )،. إذن في الواقع أنَّ الدليل العقلي على وجوب معرفة الله تعالى أوَّلاً ، نظراً وإذعاناً يرتكز على دعامتين أساسيتين : هما : الدعامة الأولى:- إنّ معرفة الله تبارك وتعالى دافعة ومُزيلة للخوف الحاصل للإنسان المُكلَّف نتيجة الاختلاف العقائدي والفكري والمعرفي الموجود بين الناس عامة ، ودفع وإزالة هذا الخوف هو واجب عقلي ، لأنّ الخوف ألمُ نفساني ووجداني ، يمكن دفعه وإزالته والتخلّص منه ، فيحكم العقل النظري لدى المُكلَّف بوجوب دفع الخوف الحاصل في نفسه ، فيجب دفعه عقلاً. والدعامة الثانية:- من الدليل العقلي على وجوب معرفة الله سبحانه – إنّ شكر المُنعِم ، و هو الله تعالى واجب عقلاً ، ولا يتم شكره حقيقة إلاّ بمعرفته سبحانه، أما وجه وجوب شكر المنعم فلاستحقاق الذم عقلائيّاً عند ترك شكر المُنعم ، وأمّا أنه لا يتم الشكر إلاّ بمعرفة المُنعم ، فلأنّ الشكر حقيقةً إنّما يكون بما يُناسب حال المَشكور المُنعم , فالشكر يجب أن يكون مسبوق بمعرفة المنعم المشكور عقلاً ، وإلاّ لم يكن شكراً ، فقد يشكر المُكلَّفُ مِن دون المعرفة غير المنعم لخطأ في معرفته ، والله تعالى هو المُنعم الحقيقي والواقعي على الإنسان ، فيجب شكره عقلاً ، ويجب معرفته لأنَّ الشكر متوقفٌ عقلاً على معرفة المُنعم . وأمّا وجه أنَّ معرفة الله تعالى لا تتم إلاَّ بالنظر العقلي لا بالتقليد ، فلأنَّ النظرَ هو حَراكُ الذهن الإنساني في مساحة المعقولات والمعلومات والمَفاهيم للكشف عن مجهول ما ، أو إدراك أمر ما ، أو الوصول إلى مَطلوبٍ للعِلم به أو معرفته ، وبالنظر يتحرّك الذهن أيضا بالأدلة وصولاً إلى مدلولاتها ، وكذا في المعلولات وصولاً أو إدراكاً لعِللها ، لينتج من ذلك الحَراك الذهني اعتقاداً جازما مُطابقاً للواقع ، مما يولّد اليقين ، والذي هو أعلى مراتب العِلم بخلاف التقليد ، والذي يبتني إمّا على الظن أو المتابعة من غير دليل وهو مذموم ، ولا يغني من الحقّ شيئا ، ومن هنا تكون ضرورة المعرفة بالله تعالى بالنظر العقلي والتفكّر لا بالتقليد ، لأنّها ليست بديهيّة للجميع ، أو محسوسة لهم ، ولِما يُوجَد مِن اختلاف وإنكار وجحود عند بعض الناس لربّهم ، بحيث يتطلّبُ ذلك من المُكلَّف تحصيله للمعرفةِ بالله يقيناً ، ومن طريق العقل أوّلاً ووجوبا . مرتضى علي الحلي : مصادر البحث : ١– نهج البلاغة ، ت ، د ، صبحي الصالح ،ص ٣٩، ط ١ ، بيروت. ٢– اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية ، العلامة المقداد بن عبد الله الأسدي السيوري الحلي، ص 82 . ت ، السيد محمد علي القاضي الطباطبائي ،ط ، قم المقدّسة. ٣– كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، العلاّمة الحلّي ، ص٣٤٧، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم المقدّسة ،. تم إعادة نشر هذا النص من قناة الإرشاد الثقافي المُلتزم للأفراد والأسرة والمُجتمع في التليكرام. اشترك في نشرتنا الإخبارية TweetShare0 Shares 2023-06-21