
سماحة السّيّد مُحَمَّد باقر السّيستاني
تدوين سماحة الشّيخ مرتضى علي الحليّ
١٨ جمادى الآخرة ١٤٤٧ هـ الموافق ١٠ كانون الأول ٢٠٢٥ م
مُرتكزات الدّين والالتزام الدِّيني – المعطيات والآثار:
1: يجب أن نعلمَ وكما نبّهنا اللهُ سبحانه أنَّ الدِّينَ والالتزامَ الدّيني إنّما ينتج ويثمِِر ثمره إذا كان في بيئةٍ نفسيّةٍ وفكريةٍ وفطريّةٍ ملائمةٍ، وأمّا إذا صادف الدّينُ والالتزامُ الدّيني بيئةً وحاضنةً غير ملائمة ، فلا يؤدّي إلى تمام المطلوب في الدّين ، وإنّما يؤدّي إلى الهداية الجزئيّة للإنسان لا الهداية الكليّة.
وهناك ثلاث خصال فطرية للإنسان ينبغي أن تكون حاكمةً على شخصيّته.
الخصلة الأولى : هي العقلانية والرشد والموضوعيّة ومقتضياتها من التثبت في مواضع الحاجة إلى التثبّت، وتجنّب القول بغير علمٍ ، وعدم التسرّع في اتّخاذ القرار ، وعدم الاندفاع عن الأهواء الشخصيّة والجمعيّة والعواطف في المواقف.
الخصلة الثانية : خصلة الأخلاق الكريمة والشعور بحقوق النّاس والتواصل معهم، وكراهة الأمور الوضيعة والقبيحة، والميل إلى الأمور الحسنة ، وهذه من جملة ما أُودِعَت في النفس الإنسانيّة، وتُسمّى في العصر الحديث بالضمير الأخلاقي وفي ألسنة القدماء بالعقل العملي ، وهي ما عُبّر عنها في قوله تعالى:((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)))سورة الشمس.
وهذه الخصلة ضروريّة في شخصيّة الإنسان.
الخصلة الثالثة :النزوع إلى الحكمة، والحكمة هي أن يندفعَ الإنسانُ مِن منظورٍ جامعٍ، ولا يُقدّم مصلحةً عاجلةً على مفسدةٍ أكثر منها آجلة، ويلاحظ الأمورَ بنظرٍ جمعي، ولا يستغرق في الحاضر على حساب الغائب ، ولا في الأمر الفعلي على حساب المستقبل ، ويكون قراره وموقفه ناظراً إلى أنّ كلَّ مستقبلٍ هو آتٍ وكلّ غائبٍ فهو حاضرٌ.
إنّ بعض النّاس يتصرّفون بشكلٍ ما في بيئةٍ محدودةٍ ، ولا يفكّرون في انعكاسات تصرّفانهم هذه خارج البيئة وضررها عليهم، وبعضهم يفكّرون على أنّهم أبناء اللحظة ولا يتدبرون المستقبلَ.
فالإنسان العاقل والنابه والحكيم لا يخلد إلى البيئة المكانية والزمانية الضيقة على حساب البيئة الواسعة التي سوف يُبتلى بها.
2: لقد اهتمّ اللهُ تعالى في الأديان بتقويّة هذه الخصال في شخصيّة الإنسان ، من صفة الرشد والعقلانية والأخلاق الفاضلة وتجنّب الفحشاء والمنكر والرغبة إلى العدل والمعروف والرحمة والإحسان، والنزوع إلى الحكمة والنظر الجامع إلى الأمور .
3: ليس في الدّين من حيث صحّة التعبّد ما يلغي صفةَ العقلانيةِ والرشد ، فإذا شخصٌ تعطّل عقله متمسّكاً بالالتزام الدّيني، فهذا سوءُ فَهم منه، وليس تعبّداً، وأنّ الالتزام الدّيني من دون الاقتران بإعمال العقل يُسبّب أضراراً بالغةً .
4: إنّ من أقبح المكاسب وأخبثها في هذه الحياة ما كان باسم الدّين ، كأن تؤذي أحداً أو تنال مقاماً باسم الدّين، وتبرّر خطأً باسم الدّين، وإنّما الدّينُ لا يدعو إلّا إلى الرشدِ وما يناسب الأخلاقَ والحكمة، وإذا لم يكن الإنسان يملك شيئاً من العقلانيّة والأخلاق والحكمة بحيث يتصرّف بمزاجٍ وأداءٍ سيّءٍ، فهذا ليس مِن شأن الدّين ولا علاقة للدّين به ، وهذا ما يُشوّه الدّينَ.
5: إنّ شأن الدّين الصحيح هو أن يُحفّز العقلَ وروح الحكمةِ والأخلاق، وإذا لم يتحفّز الإنسان بذلك، فلا يُلوّن خلافَ العقلِ والحكمةِ والأخلاقِ والرشدِ بلونِ الدّين.

