أنَّ الفكرة لا تتحدّد دائماً بطبيعتها إلا إذا كانت بديهيّة الصدق أو بديهيّة البطلان في حدِّ نفسها، وأمّا إذا كانت مرهونةً بوجود شواهد ملائمة ومقنعة عليها فيكون اتّصافها بالحقانيّة أو الخرافة تابعاً لذلك، فإذا بدت الفكرة غريبةً ولكن وجدت مؤشّرات منطقيّة ومقنعة كانت حقيقة، وإن لم تكن هناك مؤشّرات منطقيّة عليها جاز أن تكون حديث وهمٍ وخرافة، وكأنّ إلى ذلك يشير ما قاله الإمام عليه السّلام من أنّ الفاصل بين الحقّ والباطل أربعة أصابع (١)، ويعني بذلك أنّ الأمر الغريب إذا رآه الإنسان صدّق به وإن سمع به لم يصح له التسليم به لمجرد السماع فحسب.
ويتّضح ذلك بالالتفات إلى أنّ كثيراً من الأنباء التي تبدو غريبةً جداً – كآيات موسى عليه السّلام وتكلّم عيسى عليه السّلام في المهد، وعدم صلبه بل رفعه من قِبل اللّٰه سبحانه إلى السّماء، وإحياء اللّٰه سبحانه جماعةً من الناس ماتوا وهم ألوف وغير ذلك – تكون حقائق ثابتة بالنظر إلى وجود أدلّة عليها، بشرط أن تكون الأدلّة مقنعةً وموثوقاً بها كذكرها في القرآن الكريم، لذا يكون البناء عليها تبصّراً وتسليماً وإيماناً، بينما يكون الإيمان بمثل هذه الغرائب مع خلوها عن الأدلّة الكافية لإثباتها بل مع مخالفتها لأمور مشهودة تسرّعاً وضلالة وجهلاً وخرافة.
(١) نهج البلاغة ج:٢ ص:٢٤ الخطبة:١٤١ (أما إنّه ليس بين الحق والباطل إلا أربعة أصابع)، فسئل عليه السّلام عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: ( الباطل أنّ تقول سمعت، والحق أنّ تقول رأيت).