سيد البطحاء ومؤمن قريش… أبو طالب عم النبي الأكرم وكافله

سيد البطحاء ومؤمن قريش أبو طالب عليه السلام. الصورة: العتبة الحسينية المقدسة

جعفر رمضان/ العتبة الحسينية المقدسة

٢٦ رجب ١٤٤٤هـ الموافق ١٨ شباط ٢٠٢٣ م

يرجّح مجموعة من المؤرخين ان في العام العاشر من مبعث النبيصلى الله عليه والهوفي شهر رمضان المبارك من ذلك العام، شعر أبو طالب بدنو أجله بعد أن تخطى الثمانين من عمره الشريف، وأخذ المرض يفتك به، الا ان ذلك المرض لم يشغله عن النبي الاكرم محمدصلى الله عليه واله، وبات يفكر فيه، لا بأوجاعه، وأيقن أن زعماء الكفر من قريش سوف تستبيح النبي الاكرم محمد بعد وفاته.

فقد جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد، أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دعا بني عبد المطلب وبعض من قريش فقال لهم: “لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد واتبعتم أمره، فأطيعوه تنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم“[١]. يبدو ان طغيان بعض منهم يمنعهم من ان يسمعوا قوله، ولم يقبلوا نصيحته.

وللأسف ان الأخبار التي ذكرها المؤرخون عن مناصرة ابي طالبعليه السلام، والمدة التي قضاها مع النبي الاكرمصلى الله عليه وآلهفي الشعب قليلة للغاية مع أهميتها. يمكن القول ان من ابرز المواقف لابي طالب ومناصرته للنبي الاكرم محمدصلى الله عليه واله، كما وردت في أمهات كتب التاريخ، ان أبو طالب افتقد محمداً فلم يجده فاستولى عليه الخوف مما قد سيحدث لابن أخيه فسارع إلى جمع الشباب من بني هاشم، وقال لهم ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارعة، واتبعوني فإذا دخلت المسجد فليجلس كل واحد منكم إلى جانب عظيم من عظمائهم وليقتله، إذا كان محمد قد قتل ففعلوا ما أمرهم به وقبل أن يبدأ بتنفيذ الخطة جاءه زيد بن حارثة فأخبره عن سلامة النبي الاكرم محمدصلى الله عليه وآلهوفي الصباح جاء أبو طالب ومعه النبيصلى الله عليه وآلهفأخذ بيده ووقف قبال زعماء قريش وهم في أنديتهم وحوله فتيان بني هاشم فأخبرهم بما كان يريد أن يفعله لو انهم أصابوا محمدصلى الله عليه وآلهبسوء وأراهم السلاح الذي أعده لهذه الغاية فانكسر القوم وكان أكثرهم انكساراً أبو جهل[٢].  يبدو من ذلك، ان موقف ابو طالب إلى جانب النبي الاكرمصلى الله عليه وآلهأفشل مخططات قريش للنيل منه، وان موقفه كان له حظوة ومكانة عند القبائل.

واشتد المرض بأبي طالبعليه السلام، وبينما النبي الاكرم محمدصلى الله عليه والهكان مشغولا بالدعاء والتسبيح ، وإذا بالناعي قد أقبل إليه يخبره بوفاته، فمضى مسرعاً إلى بيت عمه، فمسح جبينه ثم قالصلى الله عليه واله“: ” وصلتك رحم ، وجزيت خيراً يا عم، ربيت صغيراً، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عني وعن الإسلام خير جزاء العاملين المجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم وكلّ ما يملكون“[٣]، ثمّ أقبل على الناس وقالصلى الله عليه واله” : ” أما والله لأستغفرن لك، ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان [٤]”.

وكان أبا طالب للنبي الاكرم أباً وعضداً وناصراً حين احتاج إلى الناصر والمعين، ودفع ابو طالب عنه كيد قريش وجميع محاولاتها التي كانت تعدّها لكي تبلغ منه ، ان الرسالة السماوية التي ناصرها أبو طالب بجميع ما يملك، واستطاعت بواسطته أن تتسلق أسوار مكة وهضابها لتشيع وتنتشر بين قبائل شبه الجزيرة العربية.

في تلك اللحظات العصيبة استعاد النبي الاكرم ذاكرته من جميع المواقف التي وقفها أبو طالب منذ كان صبياً، وهو يقدمه على جميع أولاده في صباه، ويوم تعلق بزمام ناقته، وقد أراد أن يذهب في تجارة له إلى بلاد الشام، وهو يقول له يا عم: “إلى من تكلني ولا أب لي ولا أمّ ألجأ إليهما؟ وهو يقول له، والدموع تتقاطر من عينيه: والله لا أكلك إلى غيري“. ثم مدّ يده وجذبه إلى صدره يشمه، وأقسم أنه لا يفارقه أبداً.

وفقد النبي الاكرم محمدصلى الله عليه والهعمه الذي رباه ونصره وضرب المثل الأعلى في التضحية والنصرة والرعاية خلال أربعين عاماً ، ولكن النبي الاكرم بالرغم من وطأة تلك النكبة وأثرها العميق في نفسه، مضى في طريقه وتابع سيرته، وجدّت قريش في ايذائه والتنكيل بأصحابه، وكان من أيسر أنواع الأذى الذي أنزلته به بعد أن فقد عمه، أن مر عليه أحد سفهاء قريش، كما جاء في رواية الطبري، فاغترف بكلتا يديه من التراب والأوساخ، وألقاها على وجهه ورأسه، فدخل بيته والتراب قد لطخ وجهه ورأسه، فقامت إليه ابنته فاطمةعليها السلام”  تغسل التراب عن رأسه وتبكي، وهي حديثة عهد بتلك الفاجعة الأليمة التي تجرع أبوها مرارتها.

وهناك حقيقة تاريخية الا وهي، أن التاريخ ما ظلم احداً كما ظلم أبا طالبعليه السلام، وما أساء المسلمون إساءة أفحش وأعظم من إساءتهم إلى النبي الاكرم محمد في عمه أبي طالبعليه السلام“.

ومن أجل أن نوفي أبا طالبعليه السلامبعض حقه ، نذكر بعض ما يدل على إيمانه من الروايات التي رويت عن ائمة اهل البيتعليهم السلاممنها على سبيل المثال لا الحصر:

جاء عن أبان بن محمود أنه قال للإمام علي بن موسى الرضاعليه السلامجعلت فداك، إني قد شككت في إسلام أبي طالب، فكتب إليه: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ  وَسَاءَتْ مَصِيرًا [٥] ثم قال: “إنَّك إن لم تقر بإيمان أبي طالب، كان مصيرك إلى النار“[٦].

وجاء عن الإمام محمد بن عليّ الباقر أنه سئل عما يقوله الناس إن أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال: “لو وضع ايمان ابي طالب في كفة، وايمان هذا الخلق في الكفة الأخرى، لرجح ايمانه“[٧].

وجاء عن أبي بكر أنه جاء بأبيه أبي قحافة إلى النبي عام الفتح يقوده وهو شيخ أعمى، وكان قد بقي على شركه لذلك التاريخ، فقال النبي الاكرم محمدصلى الله عليه واله“: “أما تركت هذا في مكانه حتى تأتيه؟ فقال له أبو بكر: “أردت يا رسول الله أن يأجره الله. والذي بعثك بالحقّ، لأنا كنت أشدّ فرحاً باسلام عمك ابي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرّة عينك“[٨].

تستنتج من ذلك ان الأقلام المأجورة لم ترحم ابو طالبعليه السلامحيث نزل أقسى ما في سواد لجتها من الحقد الدفين القديم على ابو طالب، فلم يكن أبو طالب في هذه المسألة إلا وسيلة تبرّر لهم الحط من منزلة الامام علي بن أبي طالبعليه السلاموالانتقاص منه مستغلّين لذلك الظروف السياسية التي اكتنفت حياة أبي طالب عندما عجزوا أن يجدوا ما يرومون إليه في شخصية علي بن أبي طالب .


 [١] هاشم معروف الحسني، سيرة المصطفىنظره جديده” (بيروت: دار المطبوعات) ، ص ٢٠١؛ محمد بن سعد بن منيع الزهري، الطبقات الكبرى، تحقيق: علي محمد عمر،(مكتبة الخانجي، ٢٠٠١) ، ج١، ص٧٨ .

[٢] هاشم معروف الحسني، المصدر السابق، ص

[٣] عبد الله بن محمد بن إبراهيم أبي شيبة العبسي أبو بكر ، مصنف ابن أبي شيبة ، تحقيق: أسامة بن إبراهيم بن محمد أبو محمد،( بيروت: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر،٢٠٠٨)،ج ٨،ص٣٢٨

[٤] محمد باقر المجلسي ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (طهران: احياء الكتب الإسلامية)، ج٣٥ ص ١٢٥١٦٣

[٥] سورة النساء، الآية ١١٥

[٦] عبد الحسين أحمد الأميني النجفي ، الغدير ،( مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي ، ٢٠٠٩)، ج ٧ ص ٣٨١٣٩٤ 

[٧]

[٨]   محمد بن سعد بن منيع الزهري ، المصدر السابق، ج٥،ص ٣٣٤ 

تم إعادة النشر من الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة.

اشترك في نشرتنا الإخبارية

Free Domain Privacy

0 Shares