رسالة إلى جمع من الشباب الجامعي البصري في مخيم كشفي

لقطة شاشة من قناة سماحة السيد حسين الحكيم دام عزه على اليوتوب

سماحة السيد حسين الحكيم

٥ شهر رمضان المبارك ١٤٤٥هـ الموافق ١٦ أذار ٢٠٢٤ م

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده وخيرته من خلقه محمد وآله الطاهرين واللعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

السلام عليكم أيها الأحبة الشباب المجتمعون في هذا المخيم المبارك، وبعد:

فقد كنت آمل أن أجد فرصة بين التزاماتي الكثيرة لأكون معكم، أسر بسروركم، وأبتهج بمجالستكم وملاطفتكم ، ولكن الظروف لم تسمح، ونزولاً عند رغبة ولدنا العزيز الفاضل السيد حسين الصراف حفظه الله وإياكم عزمت أن أكتب لكم بدلاً من ذلك بعض ما يتيسر من ما نحب وتحبون من ذكرى للمؤمنين في بضع نقاط:

أولاً: من أراد أن يزداد تفقهاً في الدين فليتعلم مسائله الابتلائية، وليتدبر في القرآن الكريم، وليقرأ الكتب المعتبرة التي حفظت لنا الحديث الشريف من قبيل نهج البلاغة وأصول الكافي وتحف العقول وكتب الصدوق وأبواب مقدمات العبادات وأبواب العشرة من كتاب وسائل الشيعة، فالعلم يتطور وينمو بالاعتماد على أمهات المصادر، ولا يُنال بالجدال والسجالات.

ولا ينبغي للمؤمن أن يندفع لاتخاذ رأي في أمور تخصصية لا يسعه أن يتأكد منها.

نعم إذا تحقق إجماع علماء الطائفة أو تحقق تواتر الأحاديث لديه فيكفي ذلك لتحقيق العلم عنده.

وأن أول سُلّم النضج الثقافي هو أن يتوقف المرء عن القول في ما لا علم عنده به وقد ورد في القرآن الكريم (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) وجاء في الأحاديث أن حق الله على العباد أن يقولوا ما يعلمون وأن يقفوا عند ما لا يعلمون، وعلى هذا الأساس يفتي كثير من فقهاء الطائفة ومنهم سيدنا السيستاني دام ظله بحرمة القول بغير علم.

فينبغي الحذر من التورط بذلك لا سيما في الأفكار الخلافية والآراء الجديدة التي يصر بعض المشاهير على إثارتها بين الناس خارج الأجواء العلمية التخصصية ويوظف لها كثيراً من المشاعر الدينية ويستخدم بعض المؤثرات الخطابية.

ثانياً: من أبرز علامات نضج الشخصية انضباط الإرادة في الالتزام بالفرائض، وترك المعاصي، ومن أهم ما يساعد على تعزيز الإرادة وتقويتها حبُّ الله تعالى وحب أوليائه وما يحب من الأعمال الصالحة، وبغضُ أعدائه وما يبغض من الفواحش والموبقات، مع ترسيخ حسن الظن بالله وتوقع عفوه ولطفه سبحانه استناداً إلى رحمته تعالى لا إلى استحقاقناً فنحن مهما بلغنا من طاعته لا نخلو من قصور وتقصير .

وقد وردت بعض النصوص لتمنح العبد آليات تساعده على تقييم نفسه .

منها: ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب.

ومنها: ما عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له : بم يعرف الناجي؟ قال: من كان فعله لقوله موافقاً فأثبت  له الشهادة ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنما ذلك مستودع.

وإن من أهم ما يستوجب رضا الله تعالى الولاء لله ولرسوله والأئمة الطاهرين وانتظار فرج إمامنا المهدي (عجلّ الله فرجه الشريف) فلا نكون عنه من الغافلين، ولا في أمره من المستعجلين، ونكثر من الدعاء بتعجيل الفرج في عافية، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصدق الحديث وأداء الأمانة والتواضع و بر الوالدين وصلة الارحام وحسن الخلق وخدمة المؤمنين والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا واللجوء إلى الله في طلب رضاه، دعاءً، وتضرعاً، وتوكلاً، وخوفاً ورجاءً، واستشفاعاً بخيرته من خلقه محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين).

ثالثاً: الوفاء لمن سبقنا إلى الآخرة من آبائنا وأمهاتنا وذوينا ومعارفنا وعلمائنا وشهدائنا وأجيال المؤمنين الذي عاشوا في هذه الدنيا كما نعيش الآن ثم انقطعوا عن العمل فجأة وهم بأمس الحاجة الى ذاكرٍ يذكرهم بالصالحات ولعل أعظم السرور الذي ندخله عليهم هو أداء حقوق الناس عنهم والاستغفار لهم ( الدعاء لهم بالغفران)  وقضاء ما فاتهم من الفرائض، والصلاة، وتلاوة القرآن، والصدقة، وصلة الارحام عنهم، وكذلك إغاثة الملهوفين.

وأيضاً الحج وزيارة النبي (صلى الله عليه وآله )وزيارة أهل بيته وإقامة مجالس البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وصلة ذرية النبي الأعظم وإكرامهم وتزويج الشباب لا سيما الهاشميين و كفالة الأيتام ومساندة طلاب العلم والصيام خصوصاً في الأيام المندوبة بالخصوص وكل بر فله أجره عند الله تعالى فلا يضيع عنده عمل عامل منكم من ذكر ولا أنثى.

ومَنْ ذكر الأموات كان حرياً بأن يُذكر .

رابعاً: التبكير بالزواج فإنه من الأمور المستحبة جداً التي يتقرب بها إلى  الله، بل يجب عندما يكون الشاب في معرض الابتلاء بالمحرمات التي تنشأ من ضغط الغريزة الجنسية، ولا بد أن توقنوا أن الغريزة نعمة من الله تعالى التي ينبغي أن تشكر، وإن من أهم ما يعبر عن شكرها أن تُتَوّجَ بالزواج كي لا يتحول ضغط الغريزة عند الشاب إلى شعور بالعار منها ولا يكثر العثار فيها والاعتذار منها.

ولا تغفلوا عن أن الجمال متعدد الأبعاد فلا ينحصر في الجانب الشكلي فإن اللّباقة جمال، واللياقة جمال، والأناقة جمال، والقلب الطيب جمال، والروح الشفافة جمال، والأخلاق جمال، وطيب الأصل جمال، والإيمان أعظم الجمال وأقوى أسباب الحب المستقر البنّاء.

فإذا تزوج الشاب منكم وأحسَنَ الاختيار فليعاشر زوجته بالمعروف ويحميها من كل ما يشينها فغيرته عليها حب وإيمان، ولا يفرض عليها غير الفرائض التي افترضها الله، ويشجعها دون احراج ولا إزعاج على  الأمور  المستحبة وليحافظ   هو على أولوياته في حياته.

خامساً: الجد في طلب العلم الذي وقفتم زهرة حياتكم من أجله وعدم قصر الاهتمام على النجاح والتقييم على أساس نتائج الامتحان، ويأتي ذلك من  الإخلاص لله تعالى في طلب العلم فلن يتمكن أحد من الارتقاء في مدراج العلم مع حفظ أمانة العلم وأخلاقياته وأمانة المسؤوليات المترتبة عليه بعد التخرج والتفرغ لخدمة الناس إلا إذا راقب الله تعالى في إتقان ما يتعلم لإتقان ما يتحمل من مهام عملية يطبق فيها ما تعلمه فهذا سر النجاح في العلم والعمل والدنيا والآخرة .

وفقكم الله وبارك فيكم وجمع أمركم على الهدى والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .

حسين الطباطبائي الحكيم

النجف الأشرف

ليلة 10 شعبان ذكرى ولادة علي بن الحسين الأكبر عليهما السلام 1445

تم إعادة نشر هذا النص من قناة سماحة السيد حسين الحكيم في التيليجرام.

Responsive Landing Page Templates

0 Shares