لا شك بحكم الوجدان المشهود لدى كل إنسان راشد أنّ الله سبحانه جهّز الإنسان فيما جهزه به بقواعد الإدراك والسلوك السليم الملائم مع خلقه وصلاحه، كما جهز سائر الكائنات الحية عامة والحيوانات خاصة في تكوينها وصياغتها وهندسة وجودها بسنن وقواعد ملائمة لها كما يجده علماء الأحياء.
وقد أكّد الدين الإلهي من خلال رسالاته على تجهيز الإنسان بالفطرة السليمة، وعلى ضرورة جري الإنسان وفقها، كما قال سبحانه في القرآن الكريم ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (١)، وقال عز من قائل: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (٢).
وقد أقسم القرآن الكريم في الموضع الأخير بكل ما يجده الإنسان ويحيط به من ﴿الشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ (٣) على أنّ فلاح الإنسان في هذه الحياة وفي ما بعدها مرهون برعاية ما أودع في باطنه من مبادئ التقوى والفضيلة، وتجنّب ما أُلهم الابتعاد عنه من وجوه الفجور والرذيلة، وحذّره من الخيبة والخسران في هذه الحياة وما بعدها إذا استرسل في السلوك وفق الشهوات والانفعالات والآمال الخادعة.
فالقواعد التي ينبغي أن يرعاها الإنسان ليست – في أصولها – محددات خارجية تفرض عليه، بل هي المبادئ التي كُوِّن عليها فهي ضاربة في أعماق وجوده من أقصى مراتب اللاوعي الإنساني حتى مرتبة الوعي التفصيلي الذي يجده على وجه واضح.
فإذا راعى الإنسان تلك القواعد والمبادئ بورك له في حياته وأثمرت في هذه الحياة إنساناً فاضلاً سليماً ومجتمعاً سالماً مستقيماً، وأورثت فيما بعد هذه الحياة سعادة وقرباً شأن الشجرة الطيبة التي تؤتي ثماراً طيباً، وإن انتهك تلك المبادئ أورث ذلك للإنسان في المستوى الفردي والاجتماعي في هذه الحياة ثم فيما بعدها عناء وشقاء ومرارة وسقماً.