Photo by Victor Rodriguez on Unsplash and Canva + The-14 أحمد علي الحلي ٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٤هـ الموافق ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٢ م كلكم سمع هذا الحديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، فصار بعض التراثيين يطبقه بحذافيره وينسى غيره، والعمل التراثي والتحقيقي يحتاج في السرّ والعلن إلى خبير في كلّ مفاصله، فالخبير بخبرته يعطيك خارطة الطريق كاملة، فيقلّ الفشل في العمل والنقص وصرف الوقت وهدر الأموال، والقاعدة المعروفة تؤيد ذلك (على الخبير وقعت). فخذ على سبيل المثال أنه عندي مشروع تحقيق كتاب تراثي قديم، وعند حضوري عند المحقق العلامة السيد محمد مهدي الخرسان – حفظه الله، وأبقاه – أكتم هذا المشروع أمامه عملاً بالكتمان، وهو الخبير بالتحقيق والكتب المطبوعة والمخطوطة، فمن الذي سيخسر؟! من الطبيعي أن يكون الجواب: أنا الخاسر، بينما لو أخبرته بمشروعي، سيعطيني إيجابيات الكتاب، أو سلبياته، ونسخه، ومن كَتب عنه، ومن حققه؛ وطبعه، ومن تعرّض له، ومن يَصلح لتحقيقه، وو… إلى آخره. إنما الكتمان المشار إليه هنا هو عن الحسود والجاهل، فافهم، وتتمة الحديث الذي لم يلتفت إليه أحد بين يديك (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود). فالكتمان عن الحسودين لا عن الخبراء. وأتذكر فيما مضى أنني دخلت في أحد المراكز التراثية على محققين أصدقاء، فأحدهم بحركة واحدة منه سحب كل الأوراق التي على الطاولة، ووضعها في حجره؛ لئلا أرى مافيها. وهذا الموقف سمعته من السيد الخرسان نفسه حينما دخل إلى الحسينية الشوشترية للمطالعة، وفعل أحدهم الفعل نفسه أمامه، كان ذلك حين تأليف موسوعة ابن عبّاس – رضي الله عنه – . ولقد زرت بعض البلاد ورأيت كيف أن المراكز، والمؤسسات التراثية قبل البدء بمشاريعها التحقيقية تدعو جملة من الخبراء، والفضلاء للاستفادة من محضرهم، مع توفير حقوقهم، فخبرتهم الطويلة كافية للدليل على الخير، بينما اليوم مراكز ومؤسسات هنا، وهناك تفتقر لهذا التنظيم؛ فتهدر الوقت، والأموال بسبب عدم الاستعانة بالخبراء، والذريعة أن الحديث يوصي بالكتمان. وأتذكر من نافلة القول أن فضيلة السيد الصافي – حفظه الله تعالى – عندما أعرض عليه بعض المشاريع التراثية يأمرني أن أذهب لفلان، وفلان ممن لهم باع في مجال هذا الفن للاستشارة، وكنت أمتثل لهذا الأمر. وثمة موقف آخر خسرنا فيه الكثير الكثير وهو أنّ إحدى المؤسسات طالبت إدارة المتحف العراقي بفهرسة مخطوطات الحسينية الشوشترية الواقعة هنالك، وبعد هن وهن وافقت الإدارة، فبعث المخاطب بشخصين ليس لهما باع بهذا الفن، وإنما هما خبراء من جانب آخر، فذهبا للمتحف وباشرا فعلاً بالفهرسة المباشرة، وبعد يومين جرّا أذيالهما، فقد عجزا عن الفهرسة، العمل الذي لا يتأتى إلّا بخبير متمرس، وأغلقت الباب فيما بعد، وخسرنا ما خسرنا من الإطلاع عليها، وكم سنخسر بسبب هذه التصرفات الشخصية التي توصي بالكتمان. فهذه الأمور فيها مصلحة عامة لا تقاد بشخصيات تغفل عن مثل هذا. وأخيرا: لا يفهم البعض أن في كلامي هذا اعتداد محض، بل كلام محب، ومتحسر لتنظيم أمور التراث المتبعثرة بأصابع منفردة تحتاج إلى إتمام عشرة كاملة؛ ليتم المسك والتماسك بانتظام، فالتفاحة تمسك باليد ذات الخمسة أصابع ولا تمسك بإصبع واحد. تم إعادة نشر هذا النص من قناة التراث والتحقيق بين يديك في التليكرام. اشترك في نشرتنا الإخبارية TweetShare0 Shares 2022-11-24