الصورة: سامر الحسيني/ شبكة الكفيل العالمية و The-14 كيف رسّخ الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) أمر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وغيبته في وسط الجمهور الإمامي؟ رغم عدم الظهور المشهود له أمام الناس كظهور آبائه من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، بل كان (عليه السلام) منذ ولادته مختفياً عن أنظار عامة الناس. سؤال أجاب عليه سماحة السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله ورعاه. سماحة السيد محمد باقر السيستاني، المعرفة الدينية ٢٨ شعبان ١٤٤٣هـ المصادف ١ نيسان ٢٠٢٢م يظهر بملاحظة ما أثر عن تأريخ الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم وآثارهم الثابتة والموثوقة اعتماد الأئمة (عليهم السلام) في إقناع المجتمع الإمامي بالإيمان بوجود الإمام المهدي من نسل الإمام الأخير الظاهر وهو الإمام الحسن بن علي العسكري على عوامل وأدوات متعددة. وقد أثّرت هذه العوامل والأدوات فعلاً على ثبات المجتمع الإمامي على إمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الأحد عشر والإيمان بوجود الإمام المهدي من نسلهم بعد وفاة الإمام العسكري في (ت260هـ) رغم ما أوجبته وفاته (عليه السلام) دون خلف حاضر بحضور مشهود ومعلوم للجميع من صدمة في بعض أوساط الشيعة أدّى إلى تحيّر بعضهم في البداية، إلّا أنهم لم يرتدوا عن هذا المبدأ وثبتوا عليه عموماً، كما يدل عليه تتبع تأريخ المجتمعات الشيعية في مواطنها مثل الكوفة وبغداد وقم والري وبلاد إسلامية أخرى، وذلك أمر واضح تاريخياً. ويثق الناظر في التأريخ على الإجمال بأن الأئمة (عليهم السلام) وفروا حجة كافية لإثبات هذا الأمر والإقناع به بالنظر إلى اقتناع هذا المجتمع الواسع بجميع طبقاته بهذا الأمر، كما ينبّه على ذلك عدة جهات: (الجهة الأولى): أن المجتمع الشيعي آنذاك أي في سنة (٢٦٠ هـ) لم يكونوا قوماً من العوام يستطيع أن يمرر عليهم شخص مدع أو عدة اشخاص دعوى كاذبة من هذا القبيل يلفقونها، بل يشهد كتب التراجم التي تذكر رجال الشيعة آنذاك، وكتب التأريخ التي تذكر الدولة ورجالها في غضون ذكر الحوادث، وكتب الفهارس التي تذكر الكتب المؤلفة في مختلف الموضوعات والعلوم [يشهد ذلك كله] أنّه قد وجد فيهم علماء في الحديث والكلام والفقه والتفسير والأدب والأخبار وغيرها وكانوا مخالطين لعلماء الجمهرر في الفقه والحديث وغير ذلك وموصرفين بالعقل والسلامة والأمانة والثقة والصدق، وكان من الرائج لديهم النقد الداخلي الجاري فيما بينهم والنقد الخارجي الذي كان يجري بينهم وبين المذاهب الأخرى كالمعتزلة والأشاعرة وأهل السنة وأرباب المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها، وقد اعترف العديد من علماء المذاهب الأخرى بصدق كثير من رجالهم وثقتهم وأساتذتهم ورووا عنهم رغم الغضاضة التي كانت تجاههم في بعض أوساطهم من جهة الخلاف المذهبي، بل لوحظ أنّه بعد ضعف موقف المعتزلة بمعارضة السلطة القائمة بينهم والذي أدى إلى انقراضهم تقريباً انتقل الكثير منهم إلى المذهب الشيعي الإمامي في هذه الفترة ــــ نعني فترة الغيبة الصغرى من (٢٦٠ ــــ ٣٢٩ هـ) ــــ نفسها منهم عبد الرحمن بن قبة ــــ الذي ذكر الشيخ الصدوق طرفاً من كلامه في مقدمة إكمال الدين ــــ. (الجهة الثانية) ــــ وهي تفصيل للأولى ــــ: أنه قد تشكلت لدى الشيعة في زمان الأئمة المتأخرين بعد الإمام الصادق (عليه السلام) ــــ الذي ترك هو وأبوه الباقر (عليه السلام) جلّ التراث الموجود لدى الإمامية تقريباً ــــ مدارس فكريّة مختلفة منها مدارس كلامية ومدارس حديثية، كما كانوا ذوي انتماءات مختلفة وبيئات متفاوتة من حيث أقوامهم وقبائلهم وأوطانهم وكانوا يختلفون في اجتهاداتهم اختلافاً كبيراً حتى أن بعضهم كان ينتقد بعضاً آخر نقداً علمياً لاذعاً، بل يمكن القول أنهم لم يكونوا يتفقون على شيء عدا الرجرع إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والاعتقاد باصطفائهم والاعتماد على أخبار الثقات عنهم. نعم كانوا يتفقون على وثاقة جماعة لا يرقى الشك إلى ثقتهم وعدالتهم وصدقهم كما لمسوه منهم وهم بينهم وبإرجاع الأئمة (عليهم السلام) إليهم، لكنهم كانوا يختلفرن في الثقة بآخرين من الرجال والاعتماد على رواياتهم. وكان مما ساعد على ذلك حجر الخلفاء على أئمتهم من أهل البيت (عليهم السلام) وجعلهم تحت الرقابة وإبعادهم عن مركزهم وهو المدينة التي كانت موفداً للشيعة بعد الحج بشكل دائم، وعدم تيسّر التواصل معهم وحمل آثار كثيرة عنهم (عليهم السلام) كما حملوه من الباقر والصادق (عليهما السلام)، فاعتادوا على شيء من الاستقلال والتدبير في العلم والفتيا على ضوء ما أثبتوه من آثار الباقر والصادق (عليهما السلام)، وكان الأئمة المتأخرون عن الصادق (عليه السلام) إلى حد كبير رموزاً تحافظ على حفظ استمرار الإمامة ومركزيتها لدى الشيعة، وقد يتدخلون في أمور مستجدة أو ضرورية أو مختلف فيها أو حالات متفرقة مما يمثل درجة من التواصل معهم، ولكنهم يوصونهم باتباع ما ورثوه عن الصادق (عليه السلام)، وذلك كله أمر معروف كما أنه طبيعي في تلك الظروف والأحوال. (الجهة الثالثة): أن سيرة الشيعة مع السابقين من الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) وفق ما جاء في التراث الشيعي كانت مبنية بتوجيه من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم على التثبت التام الذي قد يقترن ابتداءً بالشك والتتبع والتحري ويوازي بين الخيارات والادعاءات المتعددة، لأنّ سبيل الإمامة لم يكن سبيلاً مذللا من عدة عوامل: (منها): حذر الأئمة من السلطة المانع عن الإعلان عن مرقعهم ومقامهم. (ومنها): تشكيك جمهور المسلمين (السنة) في أمر الإمامة، بل إنكارهم الشديد لها، وهر أمر كان مؤثراً بدرجة كبيرة في إثارة المناقشة لا سيما بالالتفات إلى أنّ الشيعة كانوا يعيشون في مجتمعات مختلطة منهم ومن السنة، فالمراة التي كانت المحل الأساس للشيعة منذ وفود الإمام علي (عليه السلام) عليها وإبلاغه بمقام أهل البيت (عليهم السلام) في هذه الأمة كان الناس فيها على عقائد مختلفة، وكان لأهل السنة مدارس كلامية وفقهية وحديثية ومنهم أبو حنيفة وسفيان الثوري وغيرهما من الأعلام البارزين. (ومنها): وجود رجال آخرين من ذويهم يسيرون وفق المنهج الزيدي، ويرون أن الإمامة هو للثائر من أهل البيت (عليهم السلام) مضافاً إلى أن بعض أقرباء الأئمة (عليهم السلام) كان يستغل الظروف الطبيعية لهم فيدعي الإمامة، وقد يعدّ من هؤلاء بعض أولاد إسماعيل ابن الإمام الصادق (عليه السلام) الذين كانوا في جملة من يعارض الإمام الكاظم (عليه السلام)، وكذلك بعض أولاد الإمام الكاظم (عليه السلام) الذين رفضوا الإمام الرضا (عليه السلام) وكذا جعفر ابن الإمام علي الهادي (عليه السلام) الذي عارض الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). (ومنها): أنّ التشيع الإمامي كان في اتساع مطرد في العصرر الأولى كما يتضح من التاريخ ويتمثل في تراث الإمامية، ومعنى ذلك أنه كان يدخل فيه رجال من أهل السنة والشيعة بالمعنى الأعم ومن هؤلاء العديد من كبار علماء الشيعة من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) أشهرهم زرارة بن أعين وجماعة من أخوته، وقد بقي عدد من أخوته على التسنن وذلك أمر معروف في التاريخ والتراث الإمامي، وهؤلاء بطبيعة الحال لم يكونوا ينتقلون إلى هذا المذهب إلا عن حجة مقنعة. (ومنها): أنّ الإمامة كانت تعد في منظور التشيع الإمامي أصلاً وأساساً في الدين، فكان المطلوب فيه التبصر المباشر والاقتناع عن حجة. فلأجل هذه العرامل وغيرها علّم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) منذ الباقر والصادق (عليهما السلام) عامة الشيعة على التثبت الكافي ممن يكون هر الإمام (عليه السلام) من خلال النصوص المقترحة والإشارات الملوحة والسلوك العملي ومحددات الانتساب والاختبار العلمي. ومن خلال ذلك استطاع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من حفظ ثبات شيعتهم على هذا الخط طوال قرنين من الزمن تقريباً حتى سنة (٢٦٠ هـ) وكلما شذ جماعة عنهم لم تمض فترة حتى ذهبوا وانقرضوا، ولذلك فإن اقتناع جمهور الإمامية بولادة الإمام (عليه السلام) وغيبته يعني قيام ما يفي به لديهم وفق قوانين التحري والتثبت ولاسيما مع صعوبة الغيبة عليهم لأنه يمثل صدمة لهم وكان الأمل لديهم ــــ كما تصفهم الأحاديث المأثررة ــــ يزداد يوماً فيوماً بقرب دولة أهل البيت (عليهم السلام). ومع ما وصفناه في هذه الجهات الثلاثة كلها اتفق الشيعة وآمنوا بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) بعد وفاة أبيه العسكري (عليه السلام) وبغيبته رغم ما كانوا يشعرون به من الصدمة النفسية بتعذر اطلاع جمهورهم على الإمام (عليه السلام)، أو التواصل المباشر معه، ثم غيبته التامة، لكنهم كانوا يستوعبونها بفعل الثوابت التي زرعها الأئمة (عليهم السلام) والدلائل الوثيقة التي وفرها. وتنقسم الدلالات والعوامل المؤثرة في إقناع الإمامية بذلك إلى دلائل خاصة مدعومة بعوامل ودلالات عامة، وقد كونت تلك الدلالات بيئة فكرية مناسبة تساعد على الثقة بنبأ ولادة الإمام (عليه السلام) وغيبته في حينه. أما العوامل العامة فهي أمور وصفنا بعضها من قبل إجمالاً ونكرر ذكرها تأكيداً وتوضيحاً: العامل الأوّل: كون غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) أمراً ملائماً في نفسه، بالنظر إلى الظروف التي عاشها الأئمة (عليهم السلام) من قبله. وذلك أنّ من الواضح تأريخياً أن أمور أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في دولة بني العباس بعد توليهم السلطة في (١٣٢ هـ) ــــ وكان ذلك في زمان إمامة الصادق (عليه السلام) ــــ كانت تتجه إلى مزيد من التحديد والتضييق والحبس أو ما بمثابته من الإقامة الجبرية والرقابة المشدّدة المنتهية إلى الموت المبكر لأسباب غامضة في المجتمع العام والذي يتوقع كونه قتلاً متعمداً. فقد كان العباسيون يعلمون وهم بنو أعمام الأئمة من آل البيت منذ زمان بني أمية معارضتهم لهذا الحكم، ذلك أنّ بني هاشم كانوا عموما معارضة للحكم الأموي ويرون لأنفسهم سواء العلويين أو العباسيين. وقد كانت لهم اجتماعات مشتركة أحياناً في هذا السياق منها الاجتماع المشهور لهم بالأبواء قرب المدينة. ولكن كان كل منهم جناحاً مختلفاً ذا مساعي مختلفة، أمّا العباسيون فقد اتجهوا إلى العمل في بلاد خراسان بعيداً عن مركز الخلفاء (وهي المدينة والكوفة والشام)، وكانوا يذكرون مظلومية الحسين (عليه السلام) ثم زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) ويبلغون لولاية الأمر للرضا من آل محمد وليس لشخص محدد منهم، إذ يعلمرن أنّ الناس أميل إلى ذرية علي والحسين منهم إلى أبناء عم النبي (صلى الله عليه وآله). وأمّا العلويون فكانوا قسمين: القسم الثوري: وأولهم زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) وقد ثار في الكوفة وقد قُتل، ثم خرج ابنه يحيى بخراسان وقد قتل أيضاً، وكان بعدهما محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى المعروف بالنفس الزكية وكان وجهاً مقدماً عند بني هاشم لكنه لم يخرج في زمان بني أمية. وأمّا القسم الآخر: فأوّلهم بعد علي ابن الحسين هو ابنه الأكبر الباقر (عليه السلام)، ثم ابنه الصادق (عليه السلام) فاتجهوا إلى نشر العلم والعقيدة ولم يسعوا إلى الخروج على الحكم بعد مقتل الحسين (عليه السلام) لا في زمان بني أمية ولا في زمان بني العباس، لكنهم بادعائهم الشرعية لأنفسهم ونفوذهم في الشيعة كانوا تهديداً قوياً للسلطة، وكذلك همّت السلطة العباسية بعد استقرارها بمضايقتهم وتهديدهم والرقابة عليهم. وقد أحضر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين الإمام الصادق (عليه السلام) عدة مرات إلى مركز حكمه، وأرعبه مهدداً إياه، ولكن أطلق سراحه، وقد جاء أنّه قتله بالسم أخيراً. واستدعى هارون الإمام الكاظم ــــ السابع من الأئمة ــــ إلى مركز خلافته ببغداد وسجنه حتى الممات، واستدعى خليفته المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) ــــ الثامن من الأئمة ــــ إلى مركز خلافته بمرو، وتوفي في اصطحابه إلى بغداد. واستدعى المعتصم الإمام الجواد (عليه السلام) ــــ التاسع من الأئمة (عليهم السلام) ـــــ إلى مركز خلافته ببغداد، وتوفي مبكراً وعمره (خمسة وعشرون عاماً على المشهور). واستدعى المتوكل بعده ولده الهادي (عليه السلام) إلى سامراء الذي كان معسكراً للجند ومركز الخليفة وتوفي مبكراً وعمره (اثنان وأربعرن عاماً)، وأبقي الإمام الحسن العسكري بعده في هذه المدينة وتوفي سنة (٢٦٠ هـ). لقد كان من الطبيعي في هذه الظروف أن لا يظهر الإمام المهدي ــــ الذي هو الإمام الأخير من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهو الذي سوف يكون مهدي هذه الأمة ـــــ كظهرر آبائه، لأنه يواجه الحصر والتهديد والقتل، فكان من المتوقع تدبير الله سبحانه له كتدبيره سبحانه لموسى (عليه السلام) الذي كان الله قد اختاره لنجاة بني إسرائيل، فأخلصه من يد فرعرن بالطريقة المعروفة، على أن حفظ الإمام (عليه السلام) كان يقتضي اجراءً مختلفاً، لأنه سوف يمكث طويلاً قبل أن يأذن الله سبحانه له بالظهور، حتى تستعد الأمة والنوع الإنساني لهذا المخلص الإلهي. العامل الثاني: استقرار مبدأ استمرار الاصطفاء والإمامة في أهل البيت (عليهم السلام) بما يتضمّن الأولوية بالحكم والتميز في العلم والعناية الإلهية الخاصة. وهذا مبدأ رعاه الأئمة (عليهم السلام) طول قرنين ونصف من الزمان تأكيداً على ما دلت عليه النصرص النبوية من قبيل حديث الثقلين، وذلك منذ تبليغ الإمام علي (عليه السلام) اصطفاء أهل البيت (عليهم السلام) في الكوفة ثم تصدى الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين (عليهم السلام) لموقع القيادة ثم مدرسة الباقر والصادق (عليهما السلام) في تعليم شيعة الكوفة حتى كانت مدرسة علمية ذات فقه وحديث وتفسير وأخلاق، لها علماؤها وحملتها وروادها وكتابها وجهودها في مختلف العلوم الإسلامية إلى تثبيت الأئمة بعد الصادق لهذا المذهب كونهم الرمز الظاهر لهذا المذهب في أوساط الشيعة. فهذا المذهب كان مبنياً على إمام دائم من أهل البيت (عليهم السلام) مهما تعذّر عليه التواصل مع عامة الشيعة، ولكن وجوده كان يمثل كلمة الله سبحانه على الأرض ووارث أنبيائه وأوصيائهم منذ نشأوا وكانوا. وعلى هذا الأساس جرت السلطة في التعامل معهم، فكانوا ــــ أحدهم تلو الآخر ــــ محل رقابة السلطات واستدعائه وفرض الإقامة الجبرية عليه كما نجده بعد الإمام الصادق (عليه السلام) حتى الإمام المهدي (عليه السلام) الذي غاب. فهذا المبدأ كان يقتضي وجود إمام مصطفى من عند الله سبحانه بعد الإمام العسكري (عليه السلام)، ومن المعلوم أنّه لم يكن هناك أي إمام آخر يحل محل الرضا ثم محمد الجواد ثم علي الهادي ثم الحسن العسكري سواء في داخل الشيعة أو في منظور السلطة، بل لم يكن هناك مدع للإمامة سوى جعفر بن الإمام الهادي الذي سبق منه معارضة الإمام الحسن العسكري نفسه وكان ساقطا من أعين الشيعة والسلطة جميعاً ولم يكن لرأيه نفوذ ديني وعلمي في الوسط الإمامي العام. والحاصل: أنّه لم يسبق أن ترك الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) الشيعة دون إرشادهم إلى الإمام بنحو ما، بل تركوا دائماً من سوف يبرز عملاً ويجمع شمل الشيعة، وكان هذا عنصراً محفزاً على الإذعان بأن الإمام العسكري (عليه السلام) قد أرشد جماعة من الشيعة حسبما تسمح به ظروفه إلى الإمام بعده، وترك من بعده من سوف يُثبت نفسه للشيعة ثبوتاً مقنعاً. والعامل الثالث: تبليغ الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) أن خطّ الإمامة يكون بعد الحسين (عليه السلام) في الابن بعد الأب حصراً ، وليس الأخ بعد أخيه، ولا في العم بعد ابن أخيه ولا في ابن العم بعد ابن عمه وإن كان لصيقاً فضلاً عما إذا كان بعيداً وقد جاءت نصوص أكيدة متضمنة لهذا المبدأ عن الباقر والصادق (عليهما السلام). ولذلك كانت سيرة جمهور الشيعة حسب ما يدل عليه تتبع مسيرة الإمامة عند أصحابهما (عليهما السلام) ومن بعدهم على البحث عن الإمام اللاحق في ذرية الإمام السابق (عليه السلام)، وقد جاء أنه لما تأخرت ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) للإمام الرضا (عليه السلام) سألته رجال الشيعة عن إمامته في من وإنه لا ولد له والأمر لا بد أن يكون في الابن بعد الأب، فكيف يكون الأمر، بل هناك من اتخذ ذلك طعناً في إمامته (عليه السلام) ـــــ وهم الذين ادعوا مهدوية ابنه الكاظم ويسمّون بالواقفية ـــــ، وقد اطلعهم الإمام الرضا (عليه السلام) على أنه سوف يولد له ولد ذكر، ولما ولد الجواد انقطع الشك باليقين. والعامل الرابع: أن الأئمة (عليهم السلام) على ما يبدو قد بثّوا مبكراً نبأ وجود غيبة المهدي من أهل البيت (عليهم السلام) في الأوساط العامة كما قال الإمام (عليه السلام) في كلامه في نهج البلاغة: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً). وينبه على ذلك ــــ فضلاً عن الروايات المأثورة والموثوقة وفق المنهج النقدي ــــ مؤشر تأريخي ظاهر وهو أن الشيعة بالمعنى العام كلما لم يشهدوا وفاة إمام ذهب ظن بعضهم إلى غيبته حتى يأتي أخبار موته، كما أن هناك من استغلّ هذا النبأ من أصحاب المقاصد الخاصة وطبّقه على غير موضعه، فهذه الظنون والتطبيقات الخاطئة لا تدل على زيف أصل هذا النبأ وعدم صدوره من الأئمة (عليهم السلام)، بل هو بالعكس يؤشر من خلال سعة دائرته وقبوله على وجود أصل له قد استغل في غير موضعه، كما أنّه قد توهم فريق في تطبيق أمر المهدوية أيضاً، وتعمد آخرون إثباتها لغير المتصف بها. ولكنه كان نبأ صادقاً محققاً، وكذلك كان الإنباء بالأنبياء اللاحقين في الرسالات السابقة يُستغل من أدعياء كذبة للنبوة كما هو أمر معروف في تأريخ النبوات. وقد جاء في كتب الفرق وبعض كتب التأريخ تطبيقات مبكرة ومستمرة لمبدأ الغيبة من ذلك: ١– أنه عندما استشهد الإمام علي (عليه السلام) ذهب بعض محبيه إلى أنه قد غاب لا محالة إذ لم يكن قد انجز الإصلاح المرجو في دولة أهل البيت (عليهم السلام). ٢– وعندما قام الإمام الحسين (عليه السلام) بالتصدي لولاية الأمر (عليه السلام) واستشهد حكى عن فريق أنهم أنكروا ذلك، لأنه لم ينجز ما كان مأمولاً منه من إقامته دولة أهل البيت (عليهم السلام) الباسطة للعدل. ٣– وبعد الإمام الحسين (عليه السلام) اتجه جماعة من الشيعة بعد امتناع الإمام السجاد (عليه السلام) من القيام بالأمر إلى محمد بن الحنفية وعرفوا بالكيسانية، وعندما ضاقت المدينة بمحمد غادرها إلى الطائف وأشيع أنه قد غاب بجبال رضوى وذلك معروف. ٤– وتوقع جماعة من الشيعة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ ابنه الأكبر إسماعيل (عليه السلام) هو الإمام (عليه السلام) بعده آملين فيه أنه سوف يقتنع بالخروج والثورة، فلما توفي إسماعيل في حياة الصادق (عليه السلام) أشاع جماعة في الكوفة ــــ ولعل منهم بعض أولاد إسماعيل ــــ لغايات ثورية أنه غاب ولم يمت وأنه سوف يظهر لاحقا. ٥– وعندما توفي الصادق (عليه السلام) أشاع بعض الشيعة في البصرة ــــ وهي بعيدة عن المدينة التي كانت محل وفاة الإمام (عليه السلام) ــــ أنه (عليه السلام) غاب وأناط الأمر به، ويتوقع أن هذا الطرح كان لمقاصد ثورية حتى يستطيع هذا المدعي أن يتصرف باسمه (عليه السلام) كما شاء. ٦– وعندما توفي الإمام الكاظم غريباً (عليه السلام) في سجن هارون العباسي ببغداد ـــــ بعيداً عن موطنه المدينة ـــــ استغل ذلك بعض وكلائه وأصحابه الذين كانوا يحظون بموقع من خلال الانتماء إليه فزعمرا أنه هو المهدي وقد غاب، وألّف بعض هؤلاء ربما لأول مرة في الغيبة، وجمعوا ما يدل على وقوع غيبة للإمام المهدي مما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) والأئمة (عليهم السلام) من قبله، وكان ذلك قبل وقوع الغيبة للإمام المهدي (عليه السلام) في سنة (٢٦٠ هـ) بما يقرب من سبعين سنة. ٧– وعندما توفي (محمد) ابن الإمام الهادي (عليه السلام) في حياة أبيه، وكان بعض الشيعة يتوقع أنه الإمام بعد أبيه (عليه السلام) لكونه الابن الأكبر للإمام (عليه السلام)، أشاع بعضهم لغايات ثورية أنه قد غاب. فهذه نماذج من تطبيقات الغيبة منذ العصر الأول مذكورة في كتب الفرق أو التأريخ. وعامة دعاوي الغيبة هذه زالت بعد حين لأنها في الأصل كانت مبنية على إنكار ممات محقق فإذا انكشف موت المدعى غيبته رجع الناس عنها، ومبنية على إنكار إمامة إمام قائم بالفعل متصّد للإمامة والقيادة، فلما كان يظهر أمر الإمام القائم بالفعل كانت تزول دعوى الغيبة، وقد يستثنى من ذلك فرقة الإسماعيلية التي قالت بمهدوية إسماعيل فقد حافظوا عليها وربما كان سبب ذلك أنّ إسماعيل كان قد توفى عصر الصادق (عليه السلام) بوضوح لكنهم أنكروه وزعموا غيبته، فلم يتأت لهم دعوى وفاته لاحقاً؛ إذ لم يكن ذلك مشهوراً، على أنهم بحسب بعض المؤشرات التجؤوا إلى فكرة تعدد المهدي، وذلك لانتصار ثورتهم، وقد تلقب أول الخلفاء الاسماعيليين الفاطميين وهو عبيد الله بـ (المهدي) وقد حكم لمدة ثم توفى وتولى بعده الخلافة آخرون منهم كالقائم والحاكم، فاضطروا إلى طرح فكرة تعدد المهدي. إذن يبدو أن وجود غيبة للإمام المهدي (عليه السلام) كان نبأ مأثوراً عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من قبل، وقد استُغل في الحالات المتشابهة غالباً لغايات ثورية أو لغايات شخصية من قوم لم يكونوا يريدون الإذعان بالإمام الظاهر (عليه السلام). ولعلّ غيبة الإمام المهدي ابن الحسن العسكري هي الحالة الوحيدة التي لم تكن قد طرحت على أساس ثوري، ولا في مقابل إمامة إمام ظاهر قائم بالإمامة بالفعل. فقد انتهى بوفاة الإمام العسكري ظاهرة استدعاء خلفاء بني العباس للائمة من آل البيت (عليهم السلام) المتزعمين للجمهرر الإمامي ــــ والتي بدأت منذ استقرار الخلافة العباسية في زمن المنصور الذي استدعى الصادق (عليه السلام) لعدة مرات ثم استدعى هارون الإمام الكاظم (عليه السلام) وحبسه ثم استدعى المأمون الرضا (عليه السلام) ثم استدعى المعتصم الجواد (عليه السلام) ثم المتوكل الهادي (عليه السلام) ثم أبقى العسكري (عليه السلام). وبذلك كان نبأ الغيبة الذي نبّه الأئمة (عليهم السلام) عليه من قبل مساعداً على الإذعان بالإمام الغائب فعلاً. العامل الخامس: إنّ المضايقة المتزايدة من الخلفاء للأئمة (عليهم السلام) من بعد الصادق (عليه السلام) بما كان يؤدي إلى قلة إمكان تواصل الشيعة معهم، ووجود التراث الغني الذي كان قد تركه الباقر والصادق (عليهما السلام) للشيعة، أدى بشكل طبيعي إلى تهيئة الشيعة للغيبة، فقد عرفنا أن الأئمة بعد الصادق (عليه السلام) منهم من سجن وغُيِّب وهو الإمام الكاظم (عليه السلام)، والباقي من الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري وقد استدعوا إلى مراكز الخلافة وكانوا تحت الرقابة، ولم تكن مراكز الخلافة محلاً لتوطن الشيعة ولا مزاراً ــــ كالمدينة حيث يزورها المسلمون بعد الحج ــــ، ولأجل ذلك ضعف تواصل علماء الشيعة وعامتهم معهم (عليهم السلام) من غير انقطاع ــــ حتى نجد أنّه كانت الآثار المروية عن الإمام المتأخر أقل مما روي عن الإمام السابق، وكانت جملة الآثار عن الأئمة المتأخرين من طريق الوسطاء من خلال الكتابة، وقد اهتم الشيعة بتأكيدٍ من هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) على العناية بالتراث القيّم الذي رووه عن الباقر والصادق (عليهما السلام) تثبتاً وجمعاً وتأليفاً وتصنيفاً وترتيباً حتى صنفت مئات الكتب الحديثية في تلك الفترة وصنفت الجوامع الحديثية الكبرى، وفق مذاقات انتقائية مختلفة، واستمر هذا الجهد بشكل أكبر بعد الغيبة (منذ سنة ٢٦٠ هـ). وصار فقهاء الشيعة محل إرجاع الأئمة المتأخرين (عليهم السلام) ومرجعاً لعامة الناس وقد تناولوا تدريجاً الفروع غير المنصوصة واهتموا بتقعيد القواعد الأساسية (فيما يعرف بعلم الاصول) فكان هذا النحو من الاستقلال عاملاً مساعداً على تسهيل تقبل الغيبة. فهذه عوامل عامة كانت موجودة في البيئة العامة للشيعة الإمامية ومساعدة على الإذعان العام بالإمامة. وهناك تدابير خاصة عدة اتخذها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعد ولادة ابنه المهدي (عليه السلام) حتى وفاته هو في سنة (٢٦٠ هـ). ثم تدابير اتخذها الإمام المهدي نفسه بعد وفاة أبيه لمدة سبعين سنة حتى غيبته التامة في (٣٢٩ هـ) من أجل تثبيت هذه الجماعة المؤمنة بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) على غيبة الإمام (عليه السلام) حتى تطمئن بوجوده وتستيقن به وتتكيف مع غيبته. تدابير الإمام العسكري إلى تثبيت ولادة الإمام وإمامته وغيبته: أما تدابير الإمام العسكري (عليه السلام) في هذا الشأن حسب الطرق المتاحة وهو تحت الإقامة الجبرية والرقابة المشددة فكانت متعددة منها: ١– اطلاع الإمام (عليه السلام) جماعة على هذا الأمر من الوجهاء والهاشميين والعلماء وعامة الناس من مختلف الأماكن ممن لا يجمعهم رابط حتى يحتمل في حقهم بالتواطئ، بل يكونوا في أنفسهم شخصيات رزينة متينة معروفة بالصدق والطيبة والسلامة يوجب قولهم الثقة والطمأنينة والسكينة، وهم من أماكن متفرقة من بلاد مختلفة مثل الكوفة وقم وبغداد وغيرها. ولم ينحصر هؤلاء كما ذكرنا بأهل العلم، بل يبدو أنّه كان منهم جماعة من عامة الناس قد يكونون من الكسبة والتجار وأرباب الصنائع، ولذا لم يذكروا في كتب الفهارس والرجال، رغم حكاية رواياتهم في هذا الشأن، وهناك من ظن أن عدهم مجهولين أو إهمال ذكرهم في الرجال يثير الشبهة ويسقط الحجة، وهو غفلة عن المنهج والتخطيط الذكي والحكيم الذي اعتمد في هذا الشأن ليكون فاعلاً ومؤثراً . ٢– إخباره (عليه السلام) لآخرين من الأصناف المذكورة بولادة ولده حتى وإن لم يطلعهم مباشرة عليه، إذ كان إخباره بنفسه حجة موجبة للوثوق، وهو (عليه السلام) من هو في الجلالة والصدق والسلامة، فكيف وهو حجة الله سبحانه في خلقه. ٣– ربط الوكلاء الذين كانوا وسائطه إلى الشيعة بالإمام المهدي (عليه السلام) وقد كانوا في طبيعة شخصياتهم رجال بعيدين عن الوهم والخرافة والغلو والخديعة، مشهود لهم بالصدق والطيبة والسلامة في مختلف فئات الشيعة، فمثلهم في الشيعة مثل أبي ذر وسلمان في هذه الصفات، وأبرز هؤلاء عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان. ٤– على أنّ هناك دلالات في غياب الإعلان من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بأمور يفترض أن يعلن عنها لو قدّر أنّه كان من دون خلف وقد تكون دلالة عدم ذكر شيء في بعض المقامات أقوى من دلالة القول الصريح. وبيان ذلك: أنّه ليس هناك من شك في أن الإمام الحسن العسكري لم يعلن أنه لا ذرية له ولا خلف وأن الإمامة منقطعة من بعده وأن المهدي (عليه السلام) ليس في هذه السلسلة المتصلة من الأئمة (عليهم السلام)، بل سيولد ويظهر في وقته. ولا ريب أنه لو لم يكن له (عليه السلام) ذرية ولا إمامة من بعده ولا مهديّ متصل به لكان (عليه السلام) يُعلم الشيعة بذلك إبلاغاً لمثل هذه الحقيقة المهمة ودفعاً للادعاءات الكاذبة من بعده، ولو بلغ ذلك لكان له صدى كبيراً يتجاوز الشيعة الإمامية إلى سائر الناس، لموافقته مع مذاق السلطة الحاكمة الرقيبة عليه والتي جاءت به ليعيش بين أحضانها، لأن في ذلك راحة لها عن تعقب الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) في هذه السلسلة، بل ربما أشهدوا على الإمام (عليه السلام) الوجهاء والشخصيات في إقراره بذلك، كما أنه لو صدر منه ذلك لأشاعه جمهور المسلمين الذين لا يرون الإمامة وهذا كله لم يقع، فلم ينقل أحد من الساسة وسائر أهل العلم ولو من غير الشيعة كلاماً عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عنه في نفي وجود ولدٍ له من بعده وانتهاء الإمامة به وولادة المهدي في حينه. وهذا يكون قرينة ذكية على وجود ولد متستر له بالفعل يكون هو الإمام المهدي، لاسيما مع ما سبق من جريان الشيعة الإمامية على أصل مسلم عندهم وهو استمرار الإمامة ووجود المهدي في سلسلة الأئمة من آل البيت المتعاقبين. وقد كان الشيعة قد تعودوا على الدلالات الذكية في توجيهات الأئمة (عليهم السلام) التي تفهم بمعونة الظروف من جهة صعوبة ظروفهم (عليهم السلام). وأما تدبير الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه بعد وفاة أبيه لتثبيت الإيمان به في جمهور الشيعة الإمامية فهو: الظهور المحدود لفترة محدودة ولأُناس محدودين وهو ما سميّ بالغيبة الصغرى حتى إذا استقر الناس تقع الغيبة التامة الكبرى فلا ينصدم الناس بها صدمة يؤدي إلى زوال ثقتهم وإيمانهم بهذا المذهب. وقد اختار للظهور المحدود اثنين من وكلاء أبيه الذين اعتاد الشيعة على إرجاع الإمام العسكري (عليه السلام) إليهما وهم عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان، وقد بقي عثمان ثم ابنه محمد حدود (٤٥) سنة. وقد عين الإمام بعدهما وكيلاً ثالثاً وهو الحسين بن روح وبعده رابعاً وهو علي بن محمد السمري. وقد بلغ مجموع مدة وجود هؤلاء الوكلاء مجموعاً (٦٩) سنة بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام). وبذلك ثبتت الإمامة في جمهور الشيعة أجيال متعددة، منها أجيال كانت موجودة في زمن وفاة الإمام العسكري، وأجيال أخرى رشدت بعد وفاته إلى تمام تلك المدة التي تبلغ نحو من (٧٠) سنة. عندما اقترب وفاة النائب الرابع وهو السمري أعلمه الإمام (عليه السلام) بذلك وبوقوع الغيبة التامة بعده لإعلام الشيعة بذلك فورد في التوقيع الشريف (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). وقد كان الإمام (عليه السلام) في فترة وجود الوكلاء له يوثّق ارتباط الوكلاء بعده (عليه السلام) لعامة الناس بنحو محدود ومدروس يوجب الثقة، ولكن لا يؤدي إلى فتح الباب للناس كي لا ينصدموا بانقطاعه تماماً بعد ذلك. فكان من جملة أساليب عنايته بالرد على أجوبة المسائل لقوم من الشيعة بنفس الخط الذين عهدوه في زمان أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فكان ذلك مؤكداً لصدق الأنساب. وهكذا استطاع أئمة اهل البيت (عليهم السلام) من إقناع الشيعة بمختلف طبقاتها ورجالها بوجود الإمام المهدي (عليهم السلام) وولادته وغيبته استمرارا لخط الإمامة في أهل البيت (عليهم السلام) تحقيقاً لما عبر عنه الإمام علي (عليه السلام) في أقواله من أنه كلما غاب منهم نجم طلع نجم آخر، وأنه لا بد لله من حجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً. واستطاع الشيعة رغم أملهم المتزايد بالتسريع في ظهور الإمام (عليه السلام) وقيام دولة آل البيت (عليهم السلام) من استيعاب صدمة غياب الإمام (عليه السلام) في ذهول وحيرة تعقبت ببرد الإيمان واليقين. وهذا ملخص متابعات و دراسات تاريخية تفصيلية حول المهدوية، إذا أذن الله سبحانه سوف أسعى من خلال مذكراتي التي تتعلق بها إلى تحرير عرض تفصيلي مقرون بالشواهد المبنية على استنطاق ثوابت التاريخ والتراث استنطاقا عميقاً وواضحاً وبديهيا للغاية، ومن الله التوفيق. .تم إعادة نشر هذا النص من قناة المعرفة الدينية على التليكرام اشترك في نشرتنا الإخبارية TweetShare0 Shares 2022-04-01