بسمه تعالى
ما هي حقيقة انتظار الفرج؟ وما هي مسؤولية الإنسان في زمن الغيبة؟
سؤال أجاب عليه سماحة السيد محمد باقر السيستاني حفظه الله ورعاه.
سماحة السيد محمد باقر السيستاني، المعرفة الدينية
٢٠ شعبان ١٤٤٣هـ المصادف ٢٤ آذار ٢٠٢٢م
إنّ حقيقة انتظار الفرج ومسؤولية الإنسان في زمان الانتظار تتضح بالانتباه إلى طبيعة الحدث الذي ينتظره.
وحدث ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وإقامته لدولة أهل البيت (عليهم السلام) لهو حدثٌ مهمٌ في المنظور الديني والإنساني..
فهو من جهة يمثل حكومة التعقل والرشد والعدل والحكمة في هذه الحياة والتي كانت مضامين وروح دعوة الرسالات الإلهية، حيث إنّها جاءت بتصريح القرآن الكريم للتعليم والتزكية وبث الحكمة والقسط بين الناس.
كما أنّه من جهة أخرى يمثل دولة الإيمان ودولة الأنبياء والأوصياء أو قل دولة الإسلام ــــ وهو الدين الإلهي الخاتم ـــ وأهل البيت (عليهم السلام).
ويكون هذا الظهور عناية من الله سبحانه في نهاية هذه الحياة بعد أن شرّق الإنسان وغرّب في اتجاهاته في الحياة، واختبر السبل المختلفة غير السبيل الذي تهدي إليه الرسالات المبنية على المبادئ والقيم الراشدة، وبعد أن حكم كل فريق واتجاه بقيادة الناس مدعياً أنّه يمثل الاتجاه السليم والصائب في هذه الحياة وينفذ هذا الاتجاه في مساعيه وخطواته.
فالإمام المهدي (عليه السلام) هو الوعد الإلهي للبشرية وللأنبياء والأوصياء والمؤمنين بالرسالات الإلهية خاصة، والعبد الصالح الوارث للرسالات كلها بظهور الحقيقة للناس كلهم وسماع واعيتها في أرجاء الأرض كله بعد أن ارتبط الناس فيها بعضهم ببعض في أثر الإمكانات العامة للاطلاع والتواصل بين الجميع.
فهذا الحديث العظيم يمثل انتصاراً عاماً للحق على الباطل وللحقيقة على الزيف وللرسالات الحقة على العقائد الخاطئة وللقيم الراشدة على النوازع والأهواء المضلة بعد استعداد الناس لإثارة واعية الحق في داخلهم وتهيؤهم للأخذ به والتضحية في سبيله.
فهذا الحادث هو الأمل الذي يتمسك به الإنسان المؤمن حين يئن من انتشار الكفر والضلال، والعاقل حين يشكو من انتشار الغي، والحكيم حيث ينظر إلى مظاهر التخبط والوهم، والمظلوم ومن يشاركه همه حيث يجد معاناة الظلم والفساد، وصاحب الضمير الحي حيث يعاني من انتقاض القيم وتهزيع(١) الأخلاق.
فبهذا الحدث تحظى الأرض ببركات السماء ويحكم الإنسان المسدد على البسيطة كلها ليري الناس نور الحقيقية وضياءها ويزن الأمور بميزان العدل والصدق، وقد قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(٢).
فيفيه هذا الأمل من الإحباط واليأس، ويشده إلى المرابطة والثبات، ويقوي عزيمته على أن يكون عنصراً حكيماً وراشداً في المسيرة التي لا تنتهي إلى هذا الحدث الجلل والخطير الذي هو خلاصة مسعى الرسالات والصالحين والحكماء في الحياة الإنسانية.
فانتظار الظهور هو هذا الأمل الذي يتحرك في داخل الإنسان في أن تحكم الرسالات الإلهية يوماً على الأرض حكماً غير مشوب باستضعاف حتى تظهر الحقيقة ويعم الرشد وتتصدر القيم ويشعر الإنسان بعناية السماء ويدها الحانية فوق رأسه.
كما يمثل الانتظار صلة الإنسان بالإمام الحاضر (عليه السلام) الذي غيّبه الله سبحانه من جهة عدم تقدير الناس لعباده الصالحين حتى يظهره لهم عند استعدادهم لاستقباله حتى يقدروه بالتقدير المناسب لهذه النعمة، ويقدرون هذه النعمة الإلهية التي هي عصارة الرسالات كلها ووراثة الأنبياء من آدم إلى نوح وإبراهيم إلى موسى وعيسى (عليهم السلام) ثم إلى محمد نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبذلك يظهر أنّ للانتظار بعدين:
١– بُعد عقائدي في اليقين بوجود الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) وافتقاده والحنين إليه والنصح له، وذلك جزء أساس من علاقة الإنسان بالله ورسله وأوصيائهم؛ لأنّ الإمام الحاضر المصطفى من عند الله سبحانه هو وارث الرسل والأوصياء جميعاً، فهو الوصي الحاضر وإن غيبه الله سبحانه.
٢– بُعد عملي يشتمل على عنصرين:
العنصر الأوّل: أن يكون الإنسان في إيمانه وتبصره وسلوكه وخلقه جزءاً من المسيرة التي تنتهي إلى هذا الحدث الجلل، من خلال المواظبة على هذه المعاني في نفسه وأسرته ومجتمعه.
والعنصر الثاني: أن لا يتعجل المرء في خطوات غير ناضجة يسعى بها إلى تحقيق ما يرجى من هذه الحركة من حكم أهل البيت (عليهم السلام) وصلاح الأمة والناس جميعاً.
وهذا العنصر هو الذي يجري التأكيد عليه في روايات الانتظار الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)؛ من جهة الحاجة الملحة إليه، إذ أن كثيراً من الشيعة كانوا يصرّون على أهل البيت (عليهم السلام) في الخروج، ويستبطئوهم في ذلك، ويرجون في كل إمام أن يكون الإمام المهدي الثائر الذي يقيم دولة أهل البيت (عليهم السلام) ويجري على يديه العدل والقسط، حتى جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) (ت: ٢٠٢ هـ) (الشِّيعة تُرَبَّى بالأمانيِّ منذ مائتي سنةٍ)(٣).
كما كان العديد من أصحاب المطامح السياسية من المحسوبين عليهم يتشبثون بهذا الأمر ويثيرون حركات سياسية لم يكونوا يملكون قوة كافية لانتصارها وديمومتها ولا مؤهلات كافية للسير بالمسيرة الراشدة إِذا قاموا بها، لذا فإنهم يتجهون لمثل هذه الإثارات لإبقاء سلطتهم ونفوذهم.
وكانت ثورات بعض المذاهب الأخرى تثير وتحرك مشاعر بعض الشيعة الإمامية آنذاك، فكان كل ذلك يمثل حرجاً كبيراً على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين لم يكونوا يجدون ظروفاً ملائمة يأذن الله سبحانه وتعالى فيها لمثل هذه التحركات.
ولذلك جاء التأكيد على أنّ الانتظار من أفضل الأعمال، ومن مات منتظراً لأمر آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مات شهيداً.
والمراد ذلك الانتظار الذي يعبر من جهة عن استعداد حقيقي من المرء للتضحية بنفسه وبكل ما لديه في سبيل حكم العدل وانتصار الحق، ولا يكون ضرباً من التشدق والادعاء الكاذب كما وقع من العديد ممن طلب ثورة للحكم من أئمة أهل الهدى (عليهم السلام) في عصر حضورهم، كما أنّه من جهة أخرى يقي المرء الانضمام إلى حركات ضالة متعجلة تؤدي به إلى أن يضل عن عقيدته السليمة ومسيرته الحكيمة، فيفتن عن دينه ويوقع الآخرين في الفتنة، ويكون حطباً للحركات غير الناضجة التي يقودها أشخاص يبحثون عن المطامح الشخصية أو يتعجلون في دعوى القدرة على تغيير الأمور في الاتجاه السليم من غير تبصر لعناصر الاقتدار ومآلات الحركة ومضاعفاتها.
لقد كان أئمة أهل البيت (ع) يعيشون في ظروف للأمة والمجتمع لم يكن يسمح لهم بذلك وذلك أمر معروف، وكانت الشيعة تلح عليهم في الظهور والتصدي للحكم وهم يمانعون بأنّ الأمر لم يحن بعد، وأنّ من كان صادقاً في الرغبة في ظهورهم عُدّ فيمن حضرهم إِذا ظهروا، كما قال الإمام علي (عليه السلام) قي حرب الجمل إنّه قد حضرني رجال لم يزالوا في أرحام النساء وأصلاب الرجال.
فمن كان مستعداً للتضحية في سبيل الحقيقة، متبصراً في الفتن، كان انتظاره للفرج وتمسكه بالمسيرة الصحيحة والراشدة أفضل الأعمال، فهو في قوة الشهادة مع الإمام المهدي (عليه السلام) في ظلال السيوف. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
(١) تعبير مقتبس من كلام الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة، بمعنى تفريقها وتكثيرها، قيل نهى عن النفاق وتهزيع الأخلاق: تغييرها عن محاسنها إلى مساوئها، يقال هزعت الشيء وهزعته: إذا كسرته.
(٢) الأعراف: آية ٩٦.
(٣) الكافي: ١ /٣٦٩.