خطبة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه و آله في يوم الغدير

العتبة الحسينية المقدسة، كربلاء المقدسة، العراق. الصورة: سامر الحسيني/ شبكة الكفيل العالمية

The-14

١٨ ذو الحجة ١٤٤٥ هـ الموافق ٢٥ حزيران ٢٠٢٤ م

يوم الغدير هو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة. وهو اليوم الذي نصّب فيه الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله بأمر من الله عزّ وجلّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خليفةً ووصيًا وإمامًا ووليًا من بعده.

وسُمي هذا اليوم بيوم الغدير لأنّ النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله اجتمع مع أصحابه الّذين يُقدرون بعشرات الآلاف بأمر من الله عزّ وجلّ لدى عودته من حجّة الوداع في موضع يقع بين مكة والمدينة المنورة، ويُسمى هذا المكان بغدير خم، فسمي اليوم بذلك.

يوم الغدير هو عيد من الأعياد وهو عيد الله الأكبر.

وقد جاء في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي في الجزء الأول صفحة ٧٠ رواية عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة وقد بلّغ جميع الشرايع قومه غير الحجّ والولاية، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمد إنّ الله جلّ اسمه يقرئك السّلام ويقول لك : إنّي لم أقبض نبيًّا من أنبيائي ولا رسولًا من رسلي إلّا بعد إكمال ديني وتأكيد حجّتي، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان ممّا تحتاج أن تبلّغهم قومك : فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإنّي لم أخل أرضي من حجّة ولن أُخلّيها أبدًا، فإنّ الله جلّ ثناؤه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ وتحجّ ويحجّ معك من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطراف والأعراب، وتعلمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثال الّذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع.

فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس ألا إن رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره.

فخرج صلى الله عليه وآله وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل.واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة.

فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل فقال يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إنه قد دنا أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب عليه السلام، فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي الذي عاهدت إليهم من ولاية وليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني وحجتي وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته وذلك أني لا أترك أرضي بغير ولي ولا قيم ليكون حجة لي على خلقي، فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا بولاية وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبيي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي- مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإني قابضك إلي ومستقدمك علي.

فخشي رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف‏، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس يهتدون به ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم‏ بين مكة والمدينة فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة، فقال: يا جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام [فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخّره بذلك]، فرحل فلما بلغ غدير خم‏ قبل الجحفة‏ بثلاثة أميال أتى جبرئيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.

وكان أوائلهم قريب من الجحفة فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس.

فأمر رسول الله عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير أمره بذلك جبرئيل عن الله عز وجل وكان في الموضع سلمات‏ فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم ما تحتهن‏ وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام رسول الله ص فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال:

نص خطبة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله في يوم الغدير لتنصيب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة له:

الحمد لله الذي علا في توحده ودنا في تفرّده، وجلّ في سلطانه وعظم في أركانه، و أحاط بكل شيء علماً و هو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، مجيداً لم يزل محموداً لا يزال، بارئ المسموكات وداحي المدحوات، و جبّار الأرضين والسماوات، قدّوس سبّوح ربّ الملائكة والروح، متفضّل على جميع من برأه، متطوّل على جميع من أنشأه، يلحظ كل عين و العيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شيء رحمته، و منّ عليهم بنعمته لا يعجّل بانتقامه و لا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شيء والغلبة على كل شيء، والقوة في كل شيء والقدرة على كل شيء، و ليس مثله شيء و هو منشئ الشيء حين لا شيء، دائم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جلّ عن أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سرّ وعلانية إلا بما دلّ عزّ وجلّ على نفسه.

وأشهد أنّه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشّي الأبد نوره والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير، ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، صوّر ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلّف ولا احتيال، أنشأها فكانت وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلا هو، المتقن الصنعة، الحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور و الأكرم الذي ترجع إليه الأمور.

وأشهد أنّه الذي تواضع كل شيء لقدرته، وخضع كل شيء لهيبته، ملك الأملاك، ومفلِك الأفلاك، ومسخّر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمّى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثاً، قاصم كل جبّار عنيد، ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، إله واحد و رب ماجد، يشاء فيمضي ويريد فيقضي، ويعلم فيحصي و يميت ويحيي، ويفقِر ويغني ويضحك ويبكي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، لا إله إلا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء ومجزل العطاء محصي الأنفاس ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شيء ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ومولى العالمين، الذي استحق من كل من خلق أن يشكره ويحمده، أحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأومن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه، وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف‏ جوره، وأقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحى إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة  لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته، لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، و قد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الله الكافي الكريم فأوحى إلي‏ بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ﴾ في عليٍّ ﴿ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.

معاشر الناس، ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: إن جبرئيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض و أسود أن علي بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيي وخليفتي، والإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم من بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليّ بذلك آية من كتابه ﴿ نَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ﴾ وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.

وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال‏  الآثمين وختل‏  المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم‏ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‏ ويحسبونه‏ هينا وهو عند الله عظيم‏، وكثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سموني أذنا وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا ﴿ وَمِنهُمُ الَّذِينَ يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُو أُذُنٌ قُل أُذُنُ﴾‏ على الذين يزعمون أنه أُذن ﴿ خَيرٍ لَكُم يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنِينَ﴾ الآية ٥، ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت وأن أدل عليهم لدللت ولكنّي والله في أمورهم قد تكرّمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إليّ، ثم تلا صلى الله عليه و آله: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ﴾ في عليّ ﴿ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾‏.

فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضة طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.

معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا و أطيعوا و انقادوا لأمر ربكم فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه و آله وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الحلال و الحرام و أنا أفْضَيْتُ لما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.

معاشر الناس ما من علم إلا و قد أحصاه الله فيَّ، وكل علم عُلِّمتُ فقد أحصيته في إمام المتّقين، وما من علم إلا علَّمته عليًّا وهو الإمام المبين.

معاشر الناس لا تضلّوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا [ولا تستنكفوا] من ولايته فهو الذي‏ يهدي إلى الحق‏ ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله وهو الذي فدى رسوله بنفسه وهو الذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.

معاشر الناس فضِّلوه فقد فضّله الله واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر الله له حتمًا على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، وأن يعذّبه عذابًا شديدًا نكرًا أبد الآباد ودهر الدّهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارًا وقودها النّاس والحجارة أُعدّت للكافرين‏.

أيّها الناس بي والله بشَّر الأوّلون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين، والحجّة على جميع المخلوقين من أهل السّماوات والأرضين؛ فمن شكّ في ذلك فهو كافر كفر الجاهليّة الأُولى، ومن شكّ في شيء من قولي هذا فقد شكّ في الكلّ منه، والشاكّ في ذلك فله النّار.

معاشر النّاس حبانِي الله بهذه الفضيلة منًّا منه عَلَيَّ، وإحسانًا منه إليَّ، ولا إله إلّا هو، له الحمد منّي أبد الآبدين ودهر الدّاهرين على كلّ حال.

معاشر النّاس فضِّلوا عليًّا فإنّه أفضل النّاس بعدي من ذكر وأُنثى، بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من ردّ عَلَيَّ قولي هذا ولم يوافقه، ألا إنّ جبرئيل خبّرني عن الله تعالى بذلك ويقول: (من عادى عليًّا ولم يتولّه فعليه لعنتي وغضبي) فلتنظر نفس ما قدّمت لغد، واتّقوا الله‏ أن تخالفوه‏ فتزلّ قدم بعد ثبوتها إنّ الله خبير بما تعملون‏.

معاشر النّاس إنّه جنب الله الّذي ذكر في كتابه فقال تعالى: ﴿ أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾.

معاشر النّاس تدبروا (القرآن) وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه فوالله لن يبيّن لكم زواجره و لا يوضّح لكم تفسيره إلّا الّذي أنا آخذ بيده و مصعده إليَّ -وشائل بعضده- ومعلمكم أنّ من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه و هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام أخي و وصيّي، وموالاته من الله عز وجل أنزلها عَلَيَّ.

معاشر النّاس إنّ عليًّا والطيّبين من ولدي هم الثقل الأصغر، و(القرآن) الثقل الأكبر، فكلّ واحد منبئ عن صاحبه وموافق له، لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض، هم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أدّيت ألا وقد بلّغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا و إنّ الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره .

ثمّ ضرب بيديه إلى عضديه فرفعه، وكان منذ أوّل ما صعد رسول الله صلى الله عليه و آله شال عليًّا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه و آله ثمّ قال:

معاشر النّاس هذا علي أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على أُمّتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والنّاهي عن معصيته، خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي وقاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول وما يُبَدَّلُ القول لديّ بأمر ربّي، أقول: اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من جحد حقّه، اللّهمّ إنّك أنزلت عَلَيّ أنّ الإمامة بعدي لعليّ وليّك عند تبياني ذلك ونصبي إيّاه بما أَكمَلتَ لعبادك من دينهم وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا، فقلت: ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُو فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ اللّهمّ إنّي أُشهِدُكَ وكفى بك شهيدًا أنّي قد بلّغت.

معاشر النّاس إنّما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتمّ به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل فأولئك الّذين حبطت أعمالهم وفي النّار هم فيها خالدون، لا يُخَفَّفُ عنهم العذاب ولا هم يُنظَرُونَ‏.

معاشر النّاس هذا عليّ أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكم علي والله عز وجل وإنا عنه راضيان، وما نزلت آية رِضًى إلّا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في (القرآن) إلّا فيه، ولا شهد بالجنّة في هل أتى على الإنسان إلّا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

معاشر النّاس هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، وهو التقيّ النقيّ الهادي المهدي، نبيّكم خير نبيّ ووصيّكم خير وصيّ وبنوه خير الأوصياء.

معاشر النّاس ذُرِّيَّةُ كلّ نبيّ من صُلبِهِ وذُرِّيَّتِي من صُلبِ عليّ.

معاشر النّاس إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم فإن آدم أُهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عز وجل، وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله، ألا إنّه لا يبغض عليًّا إلّا شقيّ، ولا يتوالى عليًّا إلا تقيّ ولا يؤمن به إلّا مؤمن مخلص، وفي عليّ و الله نزلت سورة العصر ﴿بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَٰنِ الرَّحِيمِ * وَالعَصرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ﴾ إلى آخرها.

معاشر النّاس قد استشهدت الله وبلّغتكم رسالتي، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

معاشر النّاس ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ﴾

معاشر النّاس آمِنوا بالله ورسوله والنور الّذي أُنزل معه من قبل أن نطمس وجوهًا فنردّها على أدبارها.

معاشر النّاس النّور من الله عز وجل فِيَّ مسلوك ثمّ في عليّ، ثم في النّسل منه إلى القائم المهدي الّذي يأخذ بحق الله وبكلّ حقّ هو لنا، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجّة على المُقَصِّرِينَ والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

معاشر النّاس أُنذركم أنّي رسول الله قد خلت من قَبليَ الرسل أفإن مِتُّ أو قُتِلتُ‏ انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين، ألا وإنّ عليًّا هو الموصوف بالصّبر والشّكر ثم من بعده وُلدِي من صُلبه.

معاشر النّاس لا تَمُنُّوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم‏ بعذاب من عنده‏ إنّه لبالمرصاد.

معاشر النّاس إنّه سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النّار ويوم القيامة لا ينصرون‏.

معاشر النّاس إنّ الله وأنا بريئان منهم.

معاشر النّاس إنّهم وأنصارهم وأتباعهم وأشياءهم‏ في الدّرك الأسفل من النّار ولبئس‏ مثوى المتكبّرين‏، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم في صحيفته. قال (فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة).

معاشر النّاس إنّي أدعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلّغت ما أُمرت بتبليغه حُجَّةً على كلّ حاضر وغائب وعلى كلّ أحد ممّن شهد أو لم يشهد، وُلِدَ أو لم يُولَد فليبلّغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها مُلْكًا واغتصابًا، ألا لعن الله الغاصبين و المغتصبين، وعندها سَنَفرُغُ لكم أيّها الثّقلان‏ ف يُرسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظٌ مِن نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ.

معاشر النّاس إنّ الله عز وجل لم يكن يذركم‏ على‏ ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيّب وما كان الله ليطلعكم‏ على الغيب‏.

معاشر النّاس إنّه ما من قرية إلّا والله مهلكها بتكذيبها وكذلك يهلك القرى‏ وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى وهذا عليّ إمامكم ووليكم وهو مواعيد الله والله يُصَدِّقُ ما وعده.

معاشر النّاس قد ضلّ قبلكم‏ أكثر الأوّلين‏ والله لقد أَهلَكَ الأوّلين‏ وهو مهلك الآخرين، قال الله تعالى‏: 

﴿ أَلَم نُهلِكِ الأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتبِعُهُمُ الآخِرِينَ * كَذَٰلِكَ نَفعَلُ بِالمُجرِمِينَ * وَيلٌ يَومَئِذٍ لِلمُكَذِّبِينَ﴾ ﴾.

معاشر النّاس إن الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت عليًّا و نهيته، فعلم الأمر و النّهي من ربه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوا تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده و لا تتفرّق بكم السّبل عن سبيله.

معاشر النّاس أنا صراط الله المستقيم الّذي أمركم باتباعه، ثم عليّ من بعدي، ثمّ وُلدِي من صُلبِهِ أئمّة يهدون إلى الحق‏ّ وبه يَعدِلُونَ‏، ثمّ قرأ ﴿ بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَٰنِ الرَّحِيمِ * الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * الرَّحمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَومِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالِّينَ﴾ وقال: فيّ نزلت وفيهم نزلت ولهم عمّت وإيّاهم خصّت، أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏، ألا إنّ حزب الله هم المفلحون‏، ألا إنّ أعداء عليّ هم أهل الشقاق والنفاق والحادون وهم العادون وإخوان الشياطين الّذين‏ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، ألا إنّ أولياءهم الّذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل: ﴿لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنهُ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ أُولَٰئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحُونَ﴾، ألا إنّ أولياءهم الّذين وصفهم الله عز وجل فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ﴾ ألا إنّ أولياءهم الّذين وصفهم الله عز وجل فقال: الذين يدخلون الجنّة آمنين تتلقّاهم الملائكة بالتسليم أن‏ طبتم فادخلوها خالدين‏، ألا إنّ أولياءهم الّذين قال لهم الله عز وجل: يدخلون الجنة بغير حساب، ألا إنّ أعداءهم يصلون سعيرًا، ألا إنّ أعداءهم الّذين يسمعون لجهنّم شهيقًا وهي تفور ولها زفير، ألا إنّ أعداءهم الّذين قال فيهم: ﴿كُلَّما دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَت أُختَها﴾، ألا إنّ أعداءهم الّذين قال الله عز وجل ﴿كُلَّمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوجٌ سَأَلَهُم خَزَنَتُهَا أَلَم يَأتِكُم نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَد جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبنَا وَقُلنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيءٍ إِن أَنتُم إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ﴾ ألا إنّ أولياءهم الّذين يخشون رَبَّهُم بالغيب لهم مغفرة وأجرٌ كبير.

معاشر النّاس شتّان ما بين السعير والجنّة، عَدُوُّنا من ذمّه الله ولعنه، ووليّنا من مدحه الله وأحبّه.

معاشر النّاس ألا وإنّي منذر وعليٌّ هاد.

معاشر النّاس إنّي نبي وعليّ وصيّ، ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله، ألا إنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف في بحر عميق، ألا إنه يَسِمُ‏ كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده و لا حق إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته.

معاشر النّاس قد بينت لكم و أفهمتكم، وهذا علي يُفهِمُكُم بعدي، ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته والإقرار به ثم مصافقته بعدي، ألا وإني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾ الآية.

معاشر النّاس إن الحج والصفا والمروة والعمرة من شعائر الله ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما﴾ الآية.

معاشر النّاس حجوا البيت، فما ورده أهل بيت إلا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.

معاشر النّاس ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.

معاشر النّاس الحجاج معانون ونفقاتهم مخلفة والله لا يضيع أجر المحسنين.

معاشر النّاس حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة وإقلاع.

معاشر النّاس أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله عز وجل، لئن طال عليكم الأمد فقصّرتم أو نسيتم فعَلِيٌّ وليكم ومُبَيِّنٌ لكم الّذي نصبه الله عز وجل بعدي، ومن خَلَّفَهُ الله مني وأنا منه يخبركم بما تسألون عنه، ويبين لكم ما لا تعلمون، ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأُعَرِّفَهُما، فآمُرَ بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد، فأُمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه، أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.

معاشر النّاس وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أُبدّل، ألا فأذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تُبَدِّلُوه ولا تغيروه، ألا وإني أُجدد القول، ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي وتُبَلِّغُوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز وجل ومني، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.

معاشر النّاس (القرآن) يُعَرِّفُكُم أن الأئمة من بعده وُلْدُه، وعرفتكم أنه مني وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ ‏وقلت: (لن تَضِلُّوا ما إن تمسكتم بهما).

معاشر النّاس التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عز وجل‏ ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ‏﴾ ‏أُذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب؛ فمن جاء بالحسنة أُثيب عليها ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.

معاشر النّاس إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم (إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلّغت عن ربنا وربك في أمر علي وأمر وُلْدِهِ من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا، على ذلك نحيا ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق، نطيع الله ونطيعك وعليًّا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذُرِّيَّتِكَ من صُلْبِهِ بعد الحسن والحسين الّذين قد عرّفتكم مكانهما منّي ومحلّهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل فقد أديت ذلك إليكم وإنّهما سيّدا شباب أهل الجنة، وإنّهما الإمامان بعد أبيهما عليّ وأنا أبوهما قبله، وقولوا (أطعنا الله بذلك وإياك وعليًّا والحسن والحسين والأئمة الذين ذَكَرتَ عهدًا وميثاقًا مأخوذًا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا مَن أَدْرَكَهُما بيده وأقرّ بهما بلسانه‏ ولا نبتغي بذلك بدلًا ولا نرى من أنفُسِنا عنه حولًا أبدًا، أشهدنا الله‏ وكفى بالله شهيدًا وأنت علينا به شهيد، وكل من أطاع مِمَّنْ ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله أكبر من كل شهيد.))

معاشر النّاس ما تقولون فإن الله يعلم كل صوت، وخافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها، ومن بايع فإنّما يبايع الله، يد الله فوق أيديهم.

معاشر النّاس فاتقوا الله وبايعوا عليًّا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى، ومن ﴿نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفسِهِ﴾ الآية.

معاشر النّاس قولوا الذي قلت لكم و سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقولوا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ وقولوا ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ الآية.

معاشر النّاس إن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام عند الله عز وجل، وقد أنزلها في (القرآن) أكثر من أن أُحْصِيَها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها و عرّفها فصدّقوه.

معاشر النّاس من يطع الله و رسوله و عليًّا و الأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزًا عظيمًا.

معاشر النّاس السابقون السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بإمرة المؤمنين، أولئك هم الفائزون في جنات النعيم.

معاشر النّاس قولوا ما يرضي الله به عنكم من القول، فإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فلن يضر الله شيئًا، اللهم اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين والحمد لله رب العالمين.

فناداه القوم: سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا وتداكّوا على رسول الله وعلى علي عليه السلام فصافقوا بأيديهم، فكان أول من صافق رسول الله صلى الله عليه وآله الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى أن صلّيت المغرب والعتمة في وقت واحد، وواصلوا البيعة و المصافقة ثلاثًا ورسول الله يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضّلنا على جميع العالمين وصارت المصافقة سنّة ورسمًا، وربّما يستعملها من ليس له حقٌ فيها.

0 Shares